كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 5)

بالغش؛ فليس عنده من الدين إلا الاسم، ويعضد ذلك تكرار اللفظ ثلاث مرات، وما جاء في رواية النسائي: "إنما الدين النصيحة" فجاء بلفظة "إنما" الذي يتضمن الحصر والقصر، وحقيقة النصح أن يكون بهذه المثابة، لأنه الوصف النفسي الذي لا يصدر عنها إلا وهي خالصة من النفاق، عارية من الغش.
ثم لما حكم بهذا الحكم من جعل النصح هو الدين، قال مفسرًا أو مبينًا: "لله، ولكتابه، ولنبيه، ولأئمة المسلمين وعامتهم" فابتدأ بتقديم الأهم الأولى وهو الله -سبحانه- وقال: لأن الدين له حقيقة أصلًا وفرعًا ونقلًا، ثم ثنى بما هو تال له في الرتبة وهو صفة من صفاته، قائم به، الناطق بعظمة جلاله، الشارح صدور أوليائه، الصادع ببيان أحكامه، المعجز ببديع نظامه فقال: "ولكتابه"، ثم ثلث بما يتلو كلامه في الرتبة وهو رسوله الهادي إلى دينه، الموقف على أحكام طاعته، الصادق في إبلاغ رسالته، المفصل لجمل شريعته. ثم ربع بالأئمة الذين هم أولوا الأمر، وخلفاء الأنبياء في الأرض القائمون بسنة الله -تعالى- في عباده. ثم خمس بعامة المسلمين، وهم الباقون منهم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - والأئمة.
وفي رواية الشافعي لم يقل: قالوا لمن، إنما قال: "لله ولكتابه"، فجاء بالجواب من غير سؤال؛ ليكون الكلام متصلًا بعضه ببعض لا يحتاج إلى سؤال سائل ولا استفسار طالب، وإن كان جوابًا عن سؤال مقدر؛ ولكن هذا أحسن وأبلغ في مواقع الخطاب، وذلك أن المتكلم يكون عالمًا بما يريد أن يتلفظ به، ويعلم أن لفظه إذا كان مجملًا يحتاج إلى تفصيل، أو مشكلًا احتاج إلى تفسير، أو مهملًا احتاج إلى تقييد، فيأتي بما يوضح كلامه ويزيل لبسه.
فأما النصح لله: فهو صحة الاعتقاد في وحدانيته، وإخلاص النية في عبادته.

الصفحة 543