كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 5)

لكم سيصل إليكم ولكن بطلب جميل، ألا تراه كيف قال: "فأجملوا في الطلب" ولم يقل: فاتركوا الطلب، فإنه إذا علم الإنسان [أنه] (¬1) يصل إليه يقينا لم يحتج إلى الطلب، وإنما قال: "فأجملوا في الطلب" لأن من عوائد الله في خلقه تعليق الأحكام بالأسباب، وترتيب الحوادث على العلل.
وهذه سنة في خلقه مطردة، وحكمته في ملكه مستمرة، وإن كان قادرًا على إيجاد الأشياء اختراعًا وابتداعًا، لا عن تقدم إسباق وسبق علل، بأن يشبع الإنسان من غير أن يأكل، ويرويه من غير شرب، وينشئ الخلق من غير جماع، وينبت من غير ماء، وغير ذلك من الأشياء. لكنه أجرى العادة أن الشبع يحصل عقيب الأكل بخلقه في الأكل، والري عقيب الشرب، والولد عقيب الجماع، فلذلك قال: "فأجملوا في الطلب" فإنه وإن كان هو الذي [يأتي] (1) بالرزق ولكن قدر مجيئه بنوع من السعي رفيق، وحال من الطلب جميلة، فجمع هذا الحديث النظر إلى المسبب والمسبب له والأسباب فالسبب هو الله -تعالى-، والسبب هو الرزق، والمسبب له هو العبد والسبب هو السعي، وإنما جمع بين المسبب والسبب لئلا يتكل العبد، وليس كل أحد يقدر على الاتكال فيهلك بتأخر الرزق عنه، وربما أوقعه ذلك في باب عظيم من الشرك وكفر النعمة، ففرق في الخطاب بين تعريف اعتلاق الأشياء بالمسبب اعتلاقًا شرعيًا، ليتكمل للعبد حالة الصلاح المستمرة، ويثبت له قضية الفلاح مستقرة.
وأخبرنا الشافعي: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن سالم أبي النضر -مولى عمر ابن عبيد الله- سمع عبيد الله بن أبي رافع يحدث عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه".
¬__________
(¬1) أثبتها ليستقيم السياق.

الصفحة 548