كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 5)

قال سفيان: وحدثنيه محمد بن المنكدر مرسلًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود والترمذي.
فأما أبو داود (¬1): فأخرجه عن أحمد بن حنبل وعبد الله بن محمد النفيلي، عن سفيان.
وأما الترمذي (¬2): فأخرجه عن قتيبة، عن سفيان، عن سالم مرفوعًا. وعن ابن المنكدر مرسلًا.
ألفيت ألفيته: إذا وجدته.
ولا هي الناهية، وقد أوقعها على نهي نفسه لأن فعل "ألفين" له، وإنما يريد نهيهم أن يلفيهم على هذه الحالة، لا نهي نفسه أن يجدهم عليه، ولا أن ذلك جائز لهم أن يكونوا عليه فضلًا أن يقروا عليه.
وإذا حملنا اللفظ على مدلول ظاهره من نفسه؛ كان الغرض المطلوب إذا حقيقته النهي راجعة إليهم لا إليه، وهذا في العربية فاش وباب واسع، وفي القرآن مثله قوله -عز من قائل-: {فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا} (¬3) أوقع النهي على الصادين، وإنما يريد بالنهي: نفس موسى (عليه السلام) أي: لا تقبل صدهم إذا صدوك، إلا أن الآية أوقع فيها النهي على المخاطب، والحديث أوقع فيه النهي على المتكلم، ووجه ذلك إن وجد: أنه إباهم على هذه الحالة من ترك الأخذ بالحديث، ورفض ما لم يجدوه في كتاب الله مسبب عن كونهم عاملين عليها مستمسكين بها، فكانت حالتهم سببا لأن يلفيهم عليها، فذكر المسبب واكتفى به عن ذكر السبب لأنه من لوازمه، ولأنه إذا نهى عن المسبب فقد نهى عن السبب، ألا ترى أنه إذا قال: لا أرينك ها هنا، فإنما أراد أن ينهاه
¬__________
(¬1) أبو داود (4605).
(¬2) الترمذي (2663) وقال: حسن صحيح.
(¬3) [طه: 16].

الصفحة 549