كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 5)

عن حضوره عنده حتى لا يراه، لأنه إذا حضر عنده رآه فإذا لم يحضر لم يره، فلا فرق بين أن يقول: لا أريتك ها هنا، وبين أن يقول: لا تحضر عندي، إلا أن قوله الأول أبلغ في باب النهي، لأنه جمع في النهي بين إيقاعه على المتكلم من طريق الصريح؛ وعلى المخاطب من طريق الكناية والمعنى واللزوم.
والأريكة: السرير، وقيل: لا يكون أريكة حتى يكون من وراء حجلة، وقيل: "هو كل ما اتكيء عليه، وإنما أراد بذكر الأريكة صفة أصحاب الترفه والدعة الذين لزموا البيوت ولم يطلبوا العلم من مظانه".
وقوله: "يأتيه الأمر من أمري" ولم يقل: يأتيه أمري لأمرين:-
أحدهما: أنه لم يرد كل ما أمرهم به، لأنهم لا يصدر ذلك عنهم أنهم يخالفونه في كل أمره، أو أن كلهم خالفوه، إنما أراد بعض أمره، ولذلك قال: "لا ألفين أحدكم" فجاء بلفظة أحد وإن كان ذلك عاما فيهم كلهم.
والأمر الثاني: أن ورود التفصيل بعد الإجمال، والتخصيص بعد التعميم أبلغ في مواقع الخطاب من إفراد اللفظ، ألا ترى أن قوله: "لا يأتيه الأمر" معرفًا بالألف واللام فيه من تفخيم الأمر وتعظيمه، وأنه هو الحقيق أن يسمى أمرًا، والحقيق أن لا يخالف ما ليس في ذكره مضافًا إليه، ولذلك أراد به إياه بعد ذكره بقوله: "من أمري" فإنه لما ذكره معرفا مفخما، ارتقبت النفوس نسبة هذا التعظيم إلى أمر، فلما نسبه إلى نفسه، وقال: "من أمري" حصلت تلك الفخامة والعظمة مقصورة عليه بخلاف ما لو لم يقل ذلك، وهذا سر من ألفاظ النبوة دقيق.
ثم لما تحقق ذلك أتبعه بقوله: "ومما أمرت به أو نهيت عنه" فخص بعد أن عم، وفصل بعد أن أجمل، وذلك أن العقاب والثواب إنما هما معروفان بالأفعال والأقوال بعد وقوعها، أما قبل وقوعها مع حديث النفس بها والعزم عليها فلا، فلما قال: "الأمر من أمري" كان هذا قولًا كليًا في امتثال الأمر واجتناب

الصفحة 550