كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 5)

ذلك بقوله: "إنما هلك من كان قبلكم" يريد من أمر الأنبياء بكثرة سؤالهم إياهم واختلافهم عليهم.
وقوله: "فما أمرتكم من أمر فأتوا منه ما استطعتم" أي: ما قدرتم إلا أن تعجزوا عجزًا ظاهرًا يتعذر معه امتثال الأمر، فتدخلون إذًا في جملة المعذورين، وليس قوله: "ما استطعتم" ردًا في قبول الأمر إلى إرادتهم وإيثارهم ولكن لما كان أمره قد يكون فرضًا وندبًا وإباحة قال: "فأتوا منه ما استطعتم" لأن فيه ما ليس بواجب، ولما كان النهي عن الشيء لا يكون إلا محظورا أو مكروها، قال فيه: "فانتهوا" ولأن حظ الإنسان في النوافل وما يجري مجراها إذا قلل منها فإنما يقلل من حظه، لا أنه يجلب إلى نفسه بتركها إثمًا ولا عذابًا، بخلاف المنهي عنه فإنه متى خالفه حمل نفسه من ذلك وزرًا وإثما. وفقنا الله -تعالى- لما يرضيه من أوامره واجتناب زواجره.
وأخبرنا الشافعي: أخبرنا ابن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "نضر الله عبدًا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها [كما سمعها] (¬1)، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة للمسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم".
هذا حديث مشهور أخرجه الترمذي (¬2) مختصرًا، عن محمود بن غيلان عن أبي داود، عن شعبة، عن سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبيه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "نضر الله امرءًا سمع منا شيئًا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع" لم يزد على هذا.
¬__________
(¬1) من المسند (1/ 16).
(¬2) الترمذي (2657) وقال: حسن صحيح.
قلت وأخرجه أيضًا (2658) مطولًا كما هنا.

الصفحة 556