كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 5)

نضر: يروى بتشديد الضاد وتخفيفها، والتخفيف أفصح، وهي: النضارة النعمة والبهجة، يقال: نضره ونضره. وعيت الشيء أعيه وعيًا: إذا حفظته وفهمته.
وأديت الحديث إلى فلان: إذا أوصلت إليه، وتأدى إليه الخبر أي: انتهى، وفي بعض روايات هذا الحديث: "فأداها كما سمعه" وهذا المعنى وإن كان هو المطلوب فإنه مفهوم مع حذفه لأنه قال: "سمع مقالتي فأداها" فأعاد الضمير إلى المقالة، وإذا لم يؤدها كما سمعها لم يكن مؤديًا لها إنما يكون مغيرًا. ومع حذف قوله: "كما سمعها" زيادة معنى ليس موجودًا بوجوده، وذلك أن قوله: "نضر الله عبدًا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها" دعاء لمن جمع الحفظ والوعي والأداء، فكأن الدعاء موقوفًا على الحفظ والأداء وكأنه حث عليهما، فكأن الحفظ والأداء مأمورًا بهما، فأما مع وجود قوله: "كما سمعها" فيكون التقدير: نضر الله من أدى مقالتي كما سمعها، فيكون الدعاء مصروفًا إلى وجود الصفة متى وجد الأداء، لأن الدعاء مصروف إلى الأداء نفسه.
وقوله: "فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" دليل على كراهية اختصار الحديث لمن ليس بالمتناهي في الفقه، لأنه إذا فعل ذلك فقد قطع طريق الاستنباط على من بعده ممن هو أفقه منه، وكذلك قوله: "فرب حامل فقه غير فقيه" فإن راوي الحديث ليس الفقه من شرطه الحفظ، فأما الفهم والتدبر فعلى الفقيه.
وإنما قسم العمل إلى اثنين: لأن حامل الحديث لا يخلو إما أن يكون فقيها أو غير فقيه، والفقيه لا يخلو أن يكون غيره أفقه منه، فانقسم لذلك إليهما.
وقوله: "ثلاث لا يغل عليهن" يروى "يغل" بفتح الياء وكسر الغين من الغل: الحقد والضغن، تقول: لا يدخله شيء من الحقد يزيله عن الحق ويروى بضم الياء وكسر الغين من الأغلال: وهو الخيانة في كل شيء، ومنه الغلول في الغنيمة.

الصفحة 557