كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 5)

كاذبا كان ذلك مع اعتقاده كفرا، وهو من أعظم أبواب الكذب، لأنه تكذيب للوحي، وقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة أدخلت على قوم ولدًا ليس منهم، ويكفي ذلك تعظيمًا وتغليظًا. في رواية الشافعي: "إن أفرى الفرى" فجعل هذه الثلاثة أعظم أنواع الكذب بما قلنا، وفي رواية البخاري: "من أعظم الفرى" فجعلها بعضها. وجدير بها أن تكون أعظم أبواب الكذب بما قلنا.
وفي رواية الشافعي جعل الخبر عن الحدث جثة، وذلك أن المبتدأ هو: "أفرى الفرى" وذلك، والخبر هو: "من قولني" وذلك جثة، وهذا غريب في الكلام، وإنما حسن ذلك في أمثال هذا الخطاب إضافة الجثة إلى الحدث الدال على الخبر، كأنه قال: إن أفرى الفرى عني ما لم أقله، وحيث كان القول لا يصدر إلا عن قائل جاز تقديم ذكره، فقال: "من قولني"، ويجوز أن يكون في الكلام مضاف محذوف تقديره: أفرى الفرى قول من قولني، ومثله قوله -تعالى-: {وَلَكِنَّ البِرَ من اتَّقَى} (¬1) تقديره: بر من اتقى.
وأخبرنا الشافعي: أخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار".
متن هذا الحديث صحيح مشهور، وقد أخرجه جماعة من الصحابة منهم: ابن مسعود وابن الزبير وأنس والمغيرة وسلمة بن الأكوع وغيرهم.
وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي (¬2).
التبوأ: اتخاذ المباءة وهو المنزل تقول: تبوأت منزلًا أي: نزلته، وبوأت الرجل منزلا، وبوأت له منزلا أي: هيأته.
والمقعد: موضع القعود.
¬__________
(¬1) البقرة: [189].
(¬2) قلت: وهو من المتواتر وشهرته تغني عن تخريجه.

الصفحة 563