كتاب السنن والأحكام عن المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام (اسم الجزء: 3)

فقدم المدينة، فأراد أن يبيع عقارًا له بها، فيجعله في السلاح والكراع (¬1)، ويجاهد الروم حتى يموت، فلما قدم المدينة لقي أناسًا من أهل المدينة، فنهوه عن ذلك، وأخبروه أن رهطاً ستة أرادوا ذلك في حياة النبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فنهاهم نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: أليس لكم فيَّ أسوة؟ فلما حدثوه بذلك راجع امرأته -وقد كان طلقها- وأشهد على رجعتها، فأتى ابن عباس فسأله عن وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال ابن عباس: ألا أدلك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من؟ قال: عائشة؟ فائتها فسَلها، ثم ائتني. فأخبرني بردها عليك. فانطلقت إليها فأتيت على حكيم بن أفلح (فاستلحقته) (¬2) إليها، فقال: ما أنا بقاربها لأني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئًا، فأبت فيهما إلا مضيًّا. قال: فأقسمت عليه، فجاء فانطلقنا إلى عائشة، فاستأذنا عليها، فأذنت لنا، فدخلنا عليها، فقالت: أحكيم؟ فعرفته، فقال: نعم. فقالت: من معك؟ قال: سعد بن هشام. قالت: من هشام؟ قال: ابن عامر. فترحمت عليه وقالت: خيرًا -قال قتادة: وكان أصيب يوم أحد- فقلت: يا أم المؤمنين، أنبئيني عن خُلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قالت: فإن خلق نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان القرآن. قال: فهممت أن أقوم ولا أسأل أحدًا عن شيء حتى أموت، ثم بدا لي، فقلت: أنبئيني عن قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: ألست تقرأ "يا أيها المزمل"؟ قلت: بلى. قالت: فإن الله -تعالى- افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرًا في السماء، حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة. قال: قلت: يا أم المؤمنين، أنبئيني عن وتر رسول الله
¬__________
(¬1) الكراع: اسم لجميع الخيل. النهاية (4/ 165).
(¬2) في "الأصل": فاستحلقته. والمثبت من صحيح مسلم.

الصفحة 26