كتاب صور وخواطر

علي الطنطاوي عضو نادي التمثيل والموسيقى!
وتصورت ماذا تكون خاتمة القصة التي بدأت بهذا الإيصال لو قُدِّر لها أن تكتمل فصولُها. إلى أين كان يصل بي ذلك الطريق الذي وضعت قدمي عليه يوم صرت عضواً في هذا النادي، لو أني تابعت السير فيه حتى بلغت آخره؟ كنت أبدأ ممثلاً في الكلية، ثم أعتلي خشبة المسرح، ثم أدخل فرقة من الفرق، ثم يُسجَّل اسمي في القائمة التي تبدأ باسم يوسف وهبي وتنتهي باسم إسماعيل ياسين! فيكون علي الطنطاوي اليوم ممثلاً عجوزاً (¬1) متقاعداً، يتسكع على أبواب الحانات ويعاشر القَيْنات، ويسهر الليالي وينام الأيام (¬2)، ويعود بلا صحة ولا مال، وربما عاد بلا دنيا ولا دين.
ولم يكن يحول بيني وبين هذه الغاية شيء، فالاستعداد لذلك في نفسي كبير والرغبة فيه شديدة، وكان يزيَّن لي فأراه يومئذ حسناً، ولكن الله صرفني عنه، وما كان ذلك بعمل مني ولكن بصنع الله لي (¬3).
¬__________
(¬1) كلمة «عجوز» في الأصل للمرأة، ولكنها عمَّت في الاستعمال.
(¬2) اليوم في الأصل النهار.
(¬3) قَصَّ هذه القصةَ علينا في الذكريات (بألفاظ متقاربة) ثم قال: "ولكن الله صرفني عنه؛ أصبحت يوماً فإذا خاطرٌ قويّ لم أملك له دفعاً يدفعني لترك دار العلوم ونادي التمثيل فيها والعودة إلى دمشق، وكان هذا الخاطر هو الموجَةَ التي حوّلَت زورقي إلى ما هو خير لي، فاللهُمّ لك الحمد" (الذكريات: 1/ 358) (مجاهد).

الصفحة 331