كتاب صور وخواطر

أدع الكتابة في هذا العدد، أم أسرد على القرّاء ذكريات 1918؟ وما للقراء وذكرياتي؟ وليست مجلة «الحج» مجلة أدبية وما أُعِدَّت لنشر الذكريات؟
ما عندي اليوم إلا هذا الموضوع، فإما أن تتكرم بنشره، وإما أن تعفيني من الكتابة في هذا العدد من المجلة، والأمر لك يا أخي الأستاذ السعيد!
* * *
قطعة من الرقم بحجم رأس الدبوس، ولكنها ردتني إلى ما قبل خمسين سنة. وما خمسون سنة بالزمن الطويل، ولكن هذه السنين الخمسين قد بدّلت في حياتنا كل شيء. إني عندما أذكر كيف كنا سنة 1918 وأرى كيف صرنا سنة 1968 لا أكاد أصدق أني يقظان، وأفرك عيني أحسب أني نائم وأن الذي أراه رؤيا منام! لقد تبدلت الأرضُ غيرَ الأرض والناسُ غيرَ الناس، وما كنا نظنه من المستحيلات صار حقيقة واقعة.
وما لي أعمد إلى التعميم قبل التخصيص والفلسفة قبل القصة، وأنسى أني أدوّن ذكريات تلميذ لا أسرد تاريخ عصر؟
لقد كنت سنة 1918 تلميذاً، وعندي وثيقة محفوظة فيها درجاتي المدرسية لتلك السنة، وكنا لا نزال في دمشق في ظلال الحكم التركي. وكانت الحرب في نهايتها، ولكني لا أعرف منها إلا ما يعرفه تلميذ يقيم في بلد بعيد عن الحرب وأهوالها، وإن لم يكن بعيداً عن آثار الحرب.
كنا نرى آثارها في الطرق الخالية من الرجال، لأن الرجال

الصفحة 340