كتاب صور وخواطر

أذكر ذلك، ولا يزال يحمل عند الناس اسمه إلى الآن.
كنا نقرأ في المدرسة «الجغرافيا»، ولكن العلماء كانوا يبحثون في حلقاتهم عن حكم قراءة الجغرافيا: هل هو الإباحة أو المنع؟ وكان ثلاثة أرباع الناس، بل أكثر، يعتقدون أن الأرض مسطَّحة ويكّفرون من يقول بكرويتها! مع أن المسلمين عرفوا أنها كرة، بل هم قد قاسوا محيط الأرض وعرفوا طول خط الاستواء قبل ألف ومئتَي سنة، والرقم الذي وصلوا إليه لا يختلف عن الرقم المعترَف به اليوم علمياً إلا واحداً في الألف.
تقدمت الأمم وتأخرنا، وتعلّمت وجهلنا، حتى انتهينا سنة 1918 - على عهد العثمانيين- إلى جَهالة مطبقة بالدنيا وأهلها.
ولست أعني أن حكم العثمانيين كان شراً، ولست مع هؤلاء المغفلين الجاهلين الذين يقولون «الاستعمار العثماني» كما يقولون «الاستعمار الفرنسي» و «الاستعمار الإنكليزي»؛ فلقد كان العثمانيون الأوّلون ملوكاً مسلمين، رفعوا راية الدين وفتحوا لها ربع أوربا، وأقاموا للإسلام دولة كانت ثالثة الدولتين الكبيرتين: دولة أمية ودولة العباس، وكان منهم ملوك عظام كالفاتح والقانوني (سليمان). ولكن خلف من بعدهم خلف كانوا شراً علينا وعلى قومهم، هم «الاتحاديون». بل لقد بدأ الفساد من عهد السلطان محمود (¬1) الذي ترك أحكام الشرع وأخذ
¬__________
(¬1) السلطان محمود الثاني، حكم الإمبراطورية العثمانية بين عامَي 1808 و1839، وكان عصره كئيباً والخسائر فيه كثيرة، وفي أيامه ضاعت الجزائر (مجاهد).

الصفحة 343