كتاب صور وخواطر

فيلسوفاً، بعد أن كان شيخاً له جُبّة وعمامة! وهذا سهل؛ فتطويل الشعر يوفّر أجرة الحلاق، وركوب الحمار يُغني عن السيارة ومشاكل السائقين.
ولكن كيف أتفلسف في الكلام على العيد؟
قرأت مرة لأستاذ جامعي كبير فصلاً في «فلسفة عَبِيد بن الأبرص». وليست فلسفته مذهباً يفسر مشاكل الفكر أو يكشف خفايا النفس، أو يزاحم فلسفة أرسطو وأفلاطون، بل إن فلسفته في قوله:
وكلُّ ذي غَيْبَة يَؤوب ... وغائبُ الموت لا يَؤوب
هذا الكشف العظيم هو الذي أدهش الأستاذ الجامعي الكبير حتى جعل منه فلسفة عرف فيها هذا الأمر المخبأ وكشف هذا السر المتواري، لأن الناس كانوا يظنون أن الميت يؤوب، وأنه يموت اليوم ليعود غداً، وأنهم يضعونه في القبر فيجدونه خارجاً من بئر المقبرة قاعداً في دلو الماء! فجاء الشاعر الفيلسوف ابن الأبرص يؤكد لهم أنه لا يؤوب.
فهل تريدون فلسفة من هذه النوع؟
هل أقول إن الأيام تمر متشابهة متشاكلة كما يمر الجندي في العرض، لباسهم واحد وزيهم واحد، ثم يأتي القائد بثيابه المتفردة وأوسمته اللامعة، وأن العيد في الأيام كالقائد في الجند (¬1). ولكن هذا تشبيه سخيف وليس فلسفة العيد.
¬__________
(¬1) انظر مقالة «حديث العيد» في كتاب «مع الناس» (مجاهد).

الصفحة 361