كتاب صور وخواطر

اسمعي يا بنتي: لو أن الفقيدة -رحمها الله- ذهبت تزور خالتها أو جدّتها وبقيت عندها شهراً، هل كنت تخافين، أم تطمئنين عليها لأنها في رعاية أختك أو أمك؟ هل كنت تبكين وتُعَوّلين لذهابها، أم ترضَين وتُسَرّين لثقتك بمن هي ذاهبة لزيارتها؟
فلماذا لا تطمئنين عليها وأنت مؤمنة، تعتقدين أنها ذهبت إلى رحمة من هو أرحم منك بها، وهو الله الذي خلقك وخلقها؟
أنا أعلم أن هذا الكلام الذي أقوله حق كله، ولكن من كان مصاباً مثلك لا يفهمه ولا يدخل في عقله، ويجده ثقيلاً على قلبه. فدعيه واشتغلي بشيء يملأ وقتك، بعمل من الأعمال. وبدّلي منزلك وانتقلي إن استطعت إلى منزل آخر، لأن بقاءك في المنزل الذي كانت فيه الفقيدة يهيج عليك أحزانك؛ إنّ كل ركن منه وكل شيء فيه يذكرك بها، فإن بدّلتِه أو تركته وسافرت، فابتعدت عنه حيناً، خَفَّ عليك لذع الذكريات.
تحدثي عنها؛ قولي لمن معك كلَّ ما يخطر منها على بالك. حمّلي مَن حولك بعض أحزانك. لا تنطوي على نفسك وهي على ظهرك فتنفردي وحدك بحملها.
لذلك كان من المستحسن -عند التعزية- الكلام عن الميت لينفس أهلوه عن أنفسهم بهذا الكلام، والخوض في غيره من الموضوعات لينسوا بها لحظةً ما هم فيه من الأحزان. أما ما يصنعه النساء عندنا في الشام في المآتم، مما لم يرد به شرع ولم يسوِّغه عقل، إذ يصطفّ قريبات الميت حتى يملأن المكان ولا يُبقين إلا كرسياً أو كرسيين للمعزيات، تدخل المعزية بلا سلام وتقعد لحظة

الصفحة 367