كتاب السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: الكتاب)

دون الحد، حيث ظنها تغير العقل من غير طَرَب، بمنزلة البنج، ولم يجد (¬١) للعلماء المتقدمين فيها كلامًا. وليس كذلك، بل آكلوها ينتشون (¬٢) عنها ويشتهونها كشراب الخمر وأكثر، وآكلها تصده (¬٣) عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة إذا أكثر (¬٤) منها، مع ما فيها من المفاسد الأُخر؛ من الدِّياثة، والتخَنُّث، وفساد المزاج والعقل، وغير ذلك.
لكن لما كانت جامدة مطعومة ليست شرابًا، تنازع الفقهاء في نجاستها على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره؛ فقيل: هي نجسة كالخمرة المشروبة، وهذا (¬٥) هو الاعتبار الصحيح، وقيل: لا، لجمودها، وقيل: يُفَرَّق بين جامدها ومائعها. وبكل حال فهي داخلة فيما حرَّمَ الله ورسولُه من الخمر والمسكر لفظًا أو معنى.
قال أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -: يا رسول الله، أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن: البِتْع ــ وهو من العسل يُنبَذ حتى يشتد ــ، والمِزْر ــ وهو من الذرة والشعير يُنبذ حتى يشتد ــ قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اُعْطِي جوامع الكَلِم بخواتيمه فقال: «كلّ مُسْكِر حرام». متفق عليه في «الصحيحين» (¬٦).
وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ مِن الحِنْطةِ خمرًا،
---------------
(¬١) (ف): «نجد».
(¬٢) (ظ، ز، ب): «ينشون».
(¬٣) بقية النسخ: «وتصدهم عن ... ».
(¬٤) بقية النسخ: «أكثروا».
(¬٥) الأصل: «وهل» والمثبت من النسخ.
(¬٦) البخاري (٤٣٤٣)، ومسلم كتاب الأشربة (١٧٣٣/ ٧٠).

الصفحة 144