كتاب تهافت العلمانية في الصحافة العربية

المجتمعات هو الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، أي أن الأمة هي مصدر السلطات كما تعارفت على ذلك الدساتير والأنظمة والنظريات التي تسود أغلب أنحاء الدنيا في العصر الذي نعيش فيه.
وللوهلة الأولى تبدو هذه الدعوى ذات سلطان ديني يصادر تفكير الذين يختلفون مع أصحابها حول هذا الموضوع، فمن ذا الذي ينكر حكم الله؟ ومن ذا الذي يجادل ويماري في انتفاء سلطات الأمة أمام سلطان المولى - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -؟.
هذا النفر من العاملين والمشتغلين بالدراسات الإسلامية السياسية عندما يقررون أن نظرية الإسلام السياسية تختلف جوهريًا مع الديمقراطية السياسية لأن الديمقراطية هي حكم الشعب والأمة والسلطة فيها للشعب، على حين أن السلطة في الإسلام كما يقولون هي لله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - إذ هو الحاكم والحاكمية له ولا حاكم إلا الله.
وهم بقولهم هذا يجعلون صاحب السلطة السياسية في النظام الإسلامي الحاكم وكيلاً عن الله سَوَاءً صَرَّحُوا بِذَلِكَ أَمْ لَمْ يُصَرِّحُوا، لأن الحاكم هو في النهاية منفذ شريعة ومطبق قانون، وهو في عمله هذا إنما ينوب عن صاحب السلطة الأصلي في المجتمع، فإذا قلنا أن السلطة لله كانت دينًا ووحيًا ومن ثم كانت سلطة دينية وكان متوليها حاكمًا بالحق الإلهي ونائبًا عن الله وخليفة له وظلاً.
أما إذا قلنا كما هو الحال في الفكر الديمقراطي، بأن صاحب السلطة الأصلي هو الشعب كان متوليها نائبًا عن الأمة ووكيلاً عنها أو شبه وكيل، وكان مسؤولاً أمام الأمة التي لها الحق في محاسبته ومراقبته وعزله إن هو أخل بشروط عقد البيعة والتفويض والاختيار، «على حين أن السلطة التي يزعم أربابها أن الحاكم في السياسة والاقتصاد هو الله، وتحدد بأنها تحكم باسم الله ونيابة عنه لا عن الناس».
«وفي رأي هؤلاء الباحثين أن محور نظرية الإسلام السياسية يتمثل في نزع جميع سلطات الأمر والتشريع من أيدي البشر لأن ذلك أمر مختص به الله وحده، ولما كانت الديمقراطية، السلطة فيها للشعب فلا يصح إطلاق كلمة الديمقراطية على نظام الدولة الإسلامية بل أصدق منها تعبيرًا كلمة الحكومة الإلهية». انتهى.

الصفحة 272