كتاب تهافت العلمانية في الصحافة العربية
ويرى الدكتور (عمارة) أن من ينادي من المسلمين بالحاكمية للهِ في الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية إنما يعلنون هدم النظام الديمقراطي، لأن الديمقراطية تجعل السلطة للشعب، ونظام الحاكمية يجعل السلطة للهِ، ورتب على ذلك أنهم يطالبون بحكومة البابوات.
وهذه الأقوال تتداخل فيها الديمقراطية كنظام سياسي يتمثل في تخويل الأمة حق اختيار الحاكم ورقابته، وهذه لا تتعارض مع النظام الإسلامي في هذا الخصوص بل الإسلام قرر ذلك وكانت أوروبا في ظلامها السابق. ويختلف الإسلام مع الديمقراطية كنظام ينبع عن نظرية السيادة للشعب وتتمثل في حق الشعب المطلق في التشريع بأغلبية أصوات النواب حتى لو أحل الحرام وحرم الحلال، فأباح الشذوذ والزنا كما هو قائم في بلاد أوروبية، بينما الحاكمية لله في الإسلام بمعنى: أن يلتزم الحاكم بشرع الله وهي تتعارض مع الديمقراطية في هذا الجانب فقط، والإسلام ليس هو النظام الوحيد الذي يضع قيودًا على الناس في أمر التشريع، فالماركسية تضع قيودًا على الشعب فلا يملك أن يشرع أمرًا يخالف المذهب الماركسي. الأنظمة الديمقراطية تضع قيودًا على السلطة التشريعية عند تعديلها لبعض القوانين، هذه القيود والاستثناءات تسمى أعمال السيادة، ففي مصر مثلاً كان من أعمال السيادة ما يصدر عن رئيس الجمهورية من قرارات، وكذا حتمية تمثيل العمال والفلاحين بنسبة 50 % بمجلس الأمة، فلا يجوز المساس بهذين القيدين، ويوجد شبيه بذلك في دول أخرى عربية وأوروبية.
فإذا نص القرآن الكريم على هيمنة تشريعات الإسلام وأحكامه الممثلة في القرآن والسنة على جميع التشريعات كما في قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (¬1).
نقارن هذا النص وقول الدكتور (عمارة): «سنكون عندئذٍ قد عدنا بعقارب الساعة إلى فلسفة الحكم بالحق الإلهي على النحو الذي عرفته الفرس أيام كسرى وروما (*) وخطر تلك الفلسفة السياسية والقول بأن الحاكم ملتزم بالشريعة لأن العدول عن مبدأ (الأمة مصدر السلطات) سيحرر الحاكم بدرجات متفاوتة من قيد تستخدمه الأمة للحيلولة دون الشطط والاستبداد، كما سيفتح له الطريق كي يضفي عليه نفسه قداسة معينة وسلطة
¬__________
(¬1) [الأحزاب: 36].
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) في الكتاب المطبوع (رومانيا) لعل المؤلف يقصد (روما) لا (رومانيا) التي حكمها الطاغية الماركسي والذي قتله شعبه الرئيس (تشاوسسكو).
الصفحة 276
286