كتاب تاريخ بغداد ت بشار (اسم الجزء: 14)

6622 - عمرو بْن بحر بْن محبوب، أَبُو عثمان الجاحظ المصنف الحسن الكلام، البديع التصانيف.
كان من أهل البصرة، وأحد شيوخ المعتزلة، وقدم بغداد، فأقام بها مدة، وقد أسند عنه أَبُو بَكْر بْن أبي داود الحديث، وهو كناني، قيل: صليبة، وقيل: مولى، وكان تلميذ أبي إسحاق النظام.
وذكرت يموت بْن المزرع أن الجاحظ عمرو بْن بحر بْن محبوب مولى أبي القلمس عمرو بْن قلع الكناني، ثم الفقيمي، وهو أحد النّسّاء.
وكان جد الجاحظ أسود، وكان جمّالا لعمرو بْن قلع.
قَالَ يموت: والجاحظ خال أمي.
(4123) -[14: 125] حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ النُّعَيْمِيُّ، إِمْلاءً مِنْ حِفْظِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الأَشْعَثِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَمْرِو بْنِ بَحْرٍ الْجَاحِظِ، فَقُلْتُ لَهُ حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَلا صَلاةَ إِلا الْمَكْتُوبَةُ " قَالَ النعيمي: لا أعلم لحجاج بْن مُحَمَّد، عَنْ حماد بْن سلمة غير هذا.
(4124) -[14: 125] حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَتِيقِيُّ بِلَفْظِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُطَّلِبِ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: كُنْتُ بِالْبَصْرَةِ، فَأَتَيْتُ مَنْزِلَ الْجَاحِظِ عَمْرِو بْنِ بَحْرٍ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، فَاطَّلَعَ عَلَيَّ مِنْ خَوْخَةٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟، فَقُلْتُ، رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، فَقَالَ: وَمَتَى عَهِدْتَنِي أَقُولُ بِالْحَشْوِيَّةِ؟ فَقُلْتُ: إِنِّي ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ وَبِأَبِيكَ، فَنَزَلَ، فَفَتَحَ لِي، وَقَالَ: ادْخُلْ، أَيْشِ تُرِيدُ، فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ، قَالَ: اكْتُبْ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى طِنْفِسَةٍ "، قُلْتُ: حَدِيثٌ آخَرُ، فَقَالَ: ابْنُ أَبِي دَاوُدَ لا يَكْذِبُ
(4125) -[14: 125] قُرِئَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الأَهْوَازِيِّ وَأَنَا أسْمَعُ، فَأَقَرَّ بِهِ، قِيلَ لَهُ: حَدَّثَكُمْ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصُّولِيُّ بِالأَهْوَازِ، قَالَ: حَدَّثَنَا دُعَامَةُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ الْجَاحِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي، قَالَ: تَغَدَّيْتُ عِنْدَ هَارُونَ الرَّشِيدِ، فَسَقَطَتْ مِنْ يَدِي لُقْمَةٌ، وَانْتَثَرَ مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنَ الطَّعَامِ، فَقَالَ: يَا يَعْقُوبُ، خُذْ لُقْمَتَكَ، فَإِنَّ الْمَهْدِيَّ حَدَّثَنِي، عَنْ أَبِيهِ الْمَنْصُورِ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَكَلَ مَا سَقَطَ مِنَ الْخِوَانِ فَرُزِقَ أَوْلادًا كَانُوا صِبَاحًا " أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن الحسين الأزرق، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الحسن بْن زياد الموصلي أنه سمع أبا بكر العمري، قَالَ: سمعت الجاحظ، يقول: نسيت كنيتي ثلاثة أيام، فأتيت أهلي، فقلت: بمن أكنى؟ فقالوا: بأبي عثمان.
أَخْبَرَنِي الصيمري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عبيد اللَّه مُحَمَّد بْن عمران المرزباني، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن العباس، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن يزيد المبرد قَالَ: سمعت الجاحظ يقول لرجل آذاه: " أنت وَاللَّه أحوج إلى هوان من كريم إلى إكرام، ومن علم إلى عمل، ومن قدرة إلى عفو، ومن نعمة إلى شكر.
أَخْبَرَنَا الحسن بْن الحسين بْن العباس النعالي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفرج علي بْن الحسين الأصبهاني، قَالَ: أَخْبَرَنَا يحيى بْن علي، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قَالَ: قلت للجاحظ: إني قرأت في فصل من كتابك المسمى كتاب البيان والتبيين: إن مما يستحسن من النساء اللحن في الكلام، واستشهدت ببيتي مالك بْن أسماء، يعني قوله:
وحديث ألذه هو مما ينعت الناعتون يوزن وزنا
منطق صائب وتلحن أحيانا وخير الحديث ما كان لحنا
قَالَ: هو كذاك.
قلت: أفما سمعت بخبر هند بنت أسماء بْن خارجة، مع الحجاج حين لحنت في كلامها، فعاب ذلك عليها، فاحتجت ببيتي أخيها، فقال لها: إن أخاك أراد أن المرأة فطنة، فهي تلحن بالكلام إلى غير المعنى في الظاهر لتستر معناه، وتوري عنه وتفهمه من أرادت بالتعريض، كما قَالَ اللَّه تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}، ولم ترد الخطأ من الكلام، والخطأ لا يستحسن من أحد.
فوجم الجاحظ ساعة، ثم قَالَ: لو سقط إلي هذا الخبر لما قلت ما تقدم.
فقلت له: فأصلحه، فقال: الآن وقد سار الكتاب في الآفاق، هذا لا يصلح، أو نحو هذا من الكلام.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الحسن بْن أَحْمَد الأهوازي، قَالَ: أنشدنا الحسن بْن عبد اللَّه البغوي، قَالَ: أنشدنا علي بْن أَحْمَد بْن هشام، قَالَ: أنشدنا أَبُو العيناء للجاحظ:
يطيب العيش أن تلقى حكيما غذاه العلم والظن المصيب
فيكشف عنك حيرة كل جهل وفضل العلم يعرفه الأديب
سقام الحرص ليس له شفاء وداء الجهل ليس له طبيب
أَخْبَرَنِي الصيمري، قَالَ: حَدَّثَنَا المرزباني، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر الجرجاني، قَالَ: أنشدنا المبرد للجاحظ:
إن حال لون الرأس عَنْ حاله ففي خضاب الرأس مستمتع
هب من له شيب له حيلة فما الذي يحتاله الأصلع
أَخْبَرَنَا الصيمري، قَالَ: حَدَّثَنَا المرزباني، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد المكي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو العيناء، عَنْ إبراهيم بْن رباح، قَالَ: أتاني جماعة من الشعراء فأنشدوني، كل واحد منهم يدعي أنه مدحني بهذه الأبيات، وأعطي كل واحد منهم عليها وهي:
بدا حين أثرى بإخوانه ففلل عنهم شباة العدم
وذكره الدهر صرف الزمان فبادر قبل انتقال النعم
فتى خصه اللَّه بالمكرمات فمازج منه الحيا بالكرم
إذا همة قصرت عَنْ يد تناولها بجزيل الهمم
ولا ينكت الأرض عند السؤال ليقطع زواره عَنْ نعم
قَالَ إبراهيم: فكان اللاحقي منهم، وأحسبها له، ثم آخر من جاءني الجاحظ، وأنا والي الأهواز، فأعطيته عليها مالا، ثم كنت عند ابْن أبي دؤاد، فدخل إلينا الجاحظ، فالتفت إلي ابْن أبي دؤاد، فقال: يا أبا إسحاق، قد امتدحت بأشعار كثيرة ما سمعت بشيء وقع في قلبي وقبلته نفسي مثل أبيات مدحني بها أَبُو عثمان، ثم أنشدنيها بحضرته: بدا حين أثرى بإخوانه فقلت: وجد أيدك اللَّه مقالا، قال: وعجبت من عمرو وسكوته، ولم أذكر من ذلك شيئا.
أَخْبَرَنِي الحسن بْن مُحَمَّد الخلال، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عمران، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يحيى النديم، قَالَ: حَدَّثَنَا يموت بْن المزرع، قَالَ: قَالَ لنا عمرو بْن بحر الجاحظ: ما غلبني أحد قط إلا رجل وامرأة، فأما الرجل فإني كنت مجتازا في بعض الطرق، فإذا أنا برجل قصير بطين، كبير الهامة، طويلة اللحية، متزر بمئزر، وبيده مشط يسقي به شقه، ويمشطها به، فقلت في نفسي: رجل قصير بطين ألحى فاستزريته، فقلت: أيها الشيخ، قد قلت فيك شعرا، قَالَ: فترك المشط من يده، وَقَالَ: قل، فقلت:
كأنك صعوة في أصل حش أصاب الحش طش بعد رش
فقال لي: اسمع جواب ما قلت، فقلت: هات، فقال:
كأنك كندب في ذنب كبش تدلدل هكذا والكبش يمشي
وأما المرأة، فإني كنت مجتازا في بعض الطرقات، فإذا أنا بامرأتين، وكنت راكبا على حمارة، فضرطت الحمارة، فقالت: إحداهما للأخرى: وي حمارة الشيخ تضرط، فغاظني قولها: فأعننت، ثم قلت لها: إنه ما حملتني أنثى قط إلا ضرطت، فضربت بيدها على كتف الأخرى، وقالت: كانت أم هذا منه تسعة أشهر في جهد جهيد.
أَخْبَرَنِي الصيمري، قَالَ: حَدَّثَنِي المرزباني، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر الجرجاني، قَالَ: أَخْبَرَنَا المبرد لأبي كريمة البصري يقول للجاحظ:
لم يظلم اللَّه عمرا حين صيره من كل شيء سوى آدابه عاري
بتت حبال وصالي كفه قطعت لما استعنت به في بعض أوطاري
فكنت في طلبي من عنده فرجا كالمستغيث من الرمضاء بالنار
إني أعيذك والمعتاذ محترس من شؤم عمرو بعز الخالق الباري
فإن فعلت فحظ قد ظفرت به وإن أبيت فقد أعلنت أسراري
أَخْبَرَنِي الصيمري، قَالَ: حَدَّثَنَا المرزباني، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر الجرجاني، قَالَ: حَدَّثَنَا المبرد، قَالَ: حَدَّثَنِي الجاحظ قَالَ: وقفت أنا وأبو حرب على قاص، فأردت الولع به، فقلت لمن حوله: إنه رجل صالح لا يحب الشهرة، فتفرقوا عنه، فتفرقوا، فقال لي: حسيبك اللَّه إذا لم ير الصياد طيرا كيف يمد شبكته.
أَخْبَرَنِي القاضي أَبُو العلاء الواسطي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عبد اللَّه النيسابوري، قَالَ: سمعت أبا بكر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن بالويه يقول: سمعت أبا بكر مُحَمَّد بْن إسحاق يقول: قَالَ لي إبراهيم بْن محمود ونحن ببغداد: ألا تدخل على عمرو بْن بحر الجاحظ، فقلت: ما لي وله، فقال: إنك إذا انصرفت إلى خراسان سألوك عنه، فلو دخلت إليه، وسمعت كلامه؟ ثم لم يزل بي حتى دخلت عليه يوما، فقدم إلينا طبقا عليه رطب، فتناولت منه ثلاث رطبات، وأمسكت، ومر فيه إبراهيم، فأشرت إليه أن يمسك، فرمقني الجاحظ، فقال لي: دعه يا فتى، فقد كان عندي في هذه الأيام بعض إخواني، فقدمت إليه الرطب فامتنع، فحلفت عليه فأبَى إلا أن يبر قسمي بثلاث مائة رطبة.
أَخْبَرَنَا علي بْن أبي علي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن العباس الخزاز، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن القاسم الأنباري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عمر أَحْمَد بْن أَحْمَد السوسنجردي العسكري، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْن أبي الذيال المحدث بسر من رأى، قَالَ: حضرت وليمة حضرها الجاحظ، وحضرت صلاة الظهر، فصلينا وما صلى الجاحظ، وحضرت صلاة العصر، فصلينا وما صلى الجاحظ، فلما عزمنا على الانصراف، قَالَ الجاحظ لرب المنزل: إني ما صليت لمذهب أو لسبب أخبرك به، فقال له، أو فقيل له: ما أظن أن لك مذهبا في الصلاة إلا تركها.
أَخْبَرَنِي الصيمري، قَالَ: حَدَّثَنِي المرزباني، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن يحيى، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو العيناء، قَالَ: كان الجاحظ يأكل مع مُحَمَّد بْن عبد الملك الزيات، فجاءوا بفالوذجة فتولع مُحَمَّد بالجاحظ، وأمر أن يجعل من جهته ما رق من الجام، فأسرع في الأكل فتنطف ما بين يديه، فقال ابْن الزيات: تقشعت سماؤك قبل سماء الناس، فقال له الجاحظ: لأن غيمها كان رقيقا.
وَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو العيناء، قَالَ: كنت عند ابْن أبي دؤاد بعد قتل ابْن الزيات، فجيء بالجاحظ مقيدا، وكان في أسبابه وناحيته، وعند ابْن أبي دؤاد مُحَمَّد بْن منصور، وهو إذ ذاك يلي قضاء فارس وخوزستان، فقال ابْن أبي دؤاد للجاحظ: ما تأويل هذه الآية {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}، فقال: تلاوتها تأويلها أعز اللَّه القاضي.
فقال: جيئوا بحداد، فقال: أعز اللَّه القاضي ليفك عني أو ليزيدني؟ فقال: بل ليفك عنك، فجيء بالحداد فغمزه بعض أهل المجلس أن يعنف بساق الجاحظ، ويطيل أمره قليلا، ففعل فلطمه الجاحظ، فقال: اعمل عمل شهر في يوم، وعمل يوم في ساعة، وعمل ساعة في لحظة، فإن الضرر على ساقي، وليس بجذع ولا ساجة، فضحك ابْن أبي دؤاد وأهل المجلس منه، وَقَالَ ابْن أبي دؤاد لمحمد بْن منصور: أنا أثق بظرفه ولا أثق بدينه.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن الحسن الأهوازي، قَالَ: حَدَّثَنَا إيزديار بْن سليمان الفارسي، قَالَ: سمعت أبي يقول: سمعت أبا سعيد الجنديسابوري يقول: سمعت الجاحظ يصف اللسان، قَالَ: هو أداة يظهر بها البيان، وشاهد يعبر عَنِ الضمير، وحاكم يفصل الخطاب، وناطق يرد به الجواب، وشافع تدرك به الحاجة، وواصف تعرف به الأشياء، وواعظ ينهى عَنِ القبيح، ومعز يرد الأحزان، ومعتذر يدفع الضغينة، ومله يونق الأسماع، وزارع يحرث المودة، وحاصد يستأصل العداوة، وشاكر يستوجب المزيد، ومادح يستحق الزلفة، ومؤنس يذهب بالوحشة.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن يعقوب، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نعيم الضبي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن جعفر المزكي، قَالَ: حَدَّثَنَا علي بْن القاسم الأديب الخوافي، قَالَ: حَدَّثَنِي بعض إخواني أنه دخل على عمرو بْن بحر الجاحظ، فقال: يا أبا عثمان كيف حالك، فقال له الجاحظ: سألتني عَنِ الجملة، فاسمعها مني واحدا واحدا: حالي أن الوزير يتكلم برأيي، وينفذ أمري، ويؤاثر الخليفة الصلات إلي، وآكل لحم الطير أسمنها، وألبس من الثياب ألينها، وأجلس على ألين الطري، وأتكئ على هذا الريش، ثم أصبر على هذا حتى يأتي اللَّه بالفرج، فقال الرجل: الفرج ما أنت فيه، قَالَ: بل أحب أن تكون الخلافة لي، ويعمل مُحَمَّد بْن عبد الملك بأمري، ويختلف إلي، فهذا هو الفرج.
أَخْبَرَنَا الحسن بْن أبي طالب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عمران، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عاصم بْن أبي سهل الحلواني.
وأَخْبَرَنِي الصيمري، قَالَ: حَدَّثَنَا المرزباني، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر الجرجاني، قالا: حَدَّثَنَا المبرد، قَالَ: دخلت على الجاحظ في آخر أيامه، وهو عليل، فقلت له: كيف أنت؟ فقال: كيف يكون من نصفه مفلوج ولو نشر بالمناشير ما حس به ونصفه الأخر منقرس، لو طار الذباب بقربه لآلمه، والآفة في جميع هذا أني قد جزت التسعين، ثم أنشدنا:
أترجو أن تكون وأنت شيخ كما قد كنت أيام الشباب
لقد كذبتك نفسك ليس ثوب دريس كالجديد من الثياب
أَخْبَرَنِي الصيمري، قَالَ: حَدَّثَنَا المرزباني، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن يزيد بْن مُحَمَّد المهلبي، عَنْ أبيه، قَالَ: قَالَ لي المعتز بالله: يا يزيد ورد الخبر بموت الجاحظ، فقلت لأمير المؤمنين: طول البقاء ودوام العز، قَالَ: وذلك في سنة خمس وخمسين ومائتين.
قَالَ المعتز: لقد كنت أحب أن أشخصه إلي وأن يقيم عندي، فقلت له: إنه كان قبل موته عضلا بالفالج.
قَالَ أَحْمَد بْن يزيد: وفيه يقول أَبُو شراعة:
في العلم للعلماء إن يتفهموه واعظ
وإذا نسيت وقد جمعت علا عليك الحافظ
ولقد رأيت الظرف دهرا ما حواه لافظ
حتى أقام طريقه عمرو بْن بحر الجاحظ
ثم انقضى أمد به وهو الرئيس الفائظ
قرأت في كتاب عمر بْن مُحَمَّد بْن الحسن البصير، عَنْ مُحَمَّد بْن يحيى الصولي، قَالَ: مات الجاحظ في المحرم سنة خمس وخمسين ومائتين.

الصفحة 124