كتاب تاريخ بغداد ت بشار (اسم الجزء: 14)
6535 - العباس بْن الأحنف الشاعر كان ظريفا حلوا مقبولا حسن الشعر، ولم يقل في المديح والهجاء إلا شيئا نزرا، وشعره في الغزل، وله أخبار كثيرة مع هارون الرشيد وغيره.
وقيل أنه العباس بْن الأحنف بْن الأسود بْن طلحة بْن جدان بْن كلدة بْن جذيم بْن شهاب بْن سالم بْن حية بْن كليب بْن عبد اللَّه بْن عدي بْن حنيفة بْن لجيم بْن صعب بْن علي بْن بكر بْن وائل بْن قاسط بْن هنب بْن أفصى بْن دعمي بْن جديلة بْن أسد بْن ربيعة بْن نزار بْن معد بْن عدنان.
وَقَالَ إبراهيم بْن العباس الصولي: العباس بْن الأحنف من ولد الديل بْن حنيفة أخي عدي بْن حنيفة، فالله أعلم.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي علي الأصبهاني، قال: أَخْبَرَنَا الحسن بْن عبد اللَّه بْن سعيد العسكري، فيما أذن لنا أن نرويه عنه، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن يحيى الصولي، قَالَ: حَدَّثَنِي القاسم بْن إسماعيل، قَالَ: سمعت إبراهيم بْن العباس الكاتب يقول، وقد ذكر العباس بْن الأحنف، فقال: هو العباس بْن الأحنف بْن الأسود بْن قدامة بْن هميان، من بني هميان، ابْن الحارث بْن ذهل بْن الديل بْن حنيفة.
قَالَ أَبُو بَكْر الصولي: وقيل: إن العباس بْن الأحنف كان أصله من عرب خراسان، ومنشؤه بغداد، ولم تزل العلماء تقدمه على كثير من المحدثين، ولا يزال قد ندر له الشيء البارع جدا، حتى يلحقه بالمحسنين، وَقَالَ الصولي: سمعت العطوي يقول: كان ابْن الأحنف شاعرا مجيدا غزلا، وكان أَبُو الهذيل النظار يبغضه، ويلعنه لقوله:
إذا أردت سلوا كان ناصركم قلبي فهل أنا من قلبي بمنتصر
فأكثروا أو أقلوا من إساءتكم فكل ذلك محمول على القدر
فكان أَبُو الهذيل يقول: يعقد الفجور، والكذب في شعره ويلعنه، قَالَ العطوي: وقد أحسن في تمام هذا الشعر:
وضعت خدي لأدنى من يطيف بكم حتى احتقرت وما مثلي بمحتقر
أَخْبَرَنَا علي بْن أبي علي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عبد الرحيم المازني، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بْن القاسم الكوكبي، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عجلان، قَالَ: حَدَّثَنَا يعقوب بْن السكيت، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن المهنى، قَالَ: كان عَبَّاس بْن الأحنف مع إخوان له على شراب، فجرى ذكر مسلم بْن الوليد، فقال بعضهم: صريع الغواني، فقال عَبَّاس: وَاللَّه ما يصلح إلا أن يكون صريع الغيلان، فاتصل ذلك بمسلم، فأنشأ مسلم يهجوه، ويقول:
بنو حنيفة لا يرضى الدعي بهم فاترك حنيفة واطلب غيرها نسبا
منيت مني وقد جد الجراء بنا بغاية منعتك الفوت والطلبا
فاذهب فأنت طليق الحلم مرتهن بسورة الجهل ما لم أملك الغضبا
اذهب إلى عرب ترضى بدعوتهم إني أرى لك خلقا يشبه العربا
أَخْبَرَنَا أَبُو عبد اللَّه الحسين بْن الحسن بْن مُحَمَّد بْن القاسم المخزومي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن يحيى بْن العباس الصولي، قَالَ: كنت عند أبي ذكوان، وهو القاسم بْن إسماعيل، فقال: أنشدني عمك إبراهيم بْن العباس لخاله العباس بْن الأحنف:
قد سحب الناس أذيال الظنون بنا وفرق الناس فينا قولهم فرقا
فكاذب قد رمى بالحب غيركم وصادق ليس يدري أنه صدقا
ثم قَالَ: كأني أعرف شعرا أخذه العباس منه، فقلت له: أنشدنا أَبُو العيناء عَنِ الأصمعي لمزاحم العقيلي:
ألا يا سرور النفس ليس بعالم بك الناس حتى يعلموا ليلة القدر
سوى رجمهم بالظن والظن مخطئ مرارا ومنهم من يصيب ولا يدري
فقال: هو وَاللَّه الذي أردت، لو رآك عمك لأقر اللَّه عينه بك.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الحسن الأهوازي، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسن بْن عبد اللَّه اللغوي، عَنْ مُحَمَّد بْن يحيى، قَالَ: سمعت أبا العباس عبد اللَّه بْن المعتز يقول: لو قيل ما أحسن شعر تعرفه لقلت شعر العباس بْن الأحنف:
قد سحب الناس أذيال الظنون بنا وفرق الناس فينا قولهم فرقا
فكاذب قد رمى بالظن غيركم وصادق ليس يدري أنه صدقا
أَخْبَرَنَا علي بْن أيوب القمي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عبيد اللَّه مُحَمَّد بْن عمران المرزباني، قَالَ: أَخْبَرَنِي الصولي، قَالَ: حَدَّثَنَا المغيرة بْن مُحَمَّد المهلبي، قَالَ: سمعت الزبير يقول: العباس بْن الأحنف أشعر أهل زمانه وقوله:
يعتل بالشغل عنا ما يكلمنا والشغل للقلب ليس الشغل للبدن
ويقول: لا أعلم شيئا من أمور الدنيا، خيرها وشرها، إلا وهو يصلح أن يتمثل فيه بهذا النصف الأخير، قَالَ المرزباني: وهو من هذه الأبيات:
أغيب عنك بود لا يغيره نأي المحل ولا صرف من الزمن
فإن أعش فلعل الدهر يجمعنا وإن أمت فبطول الهم والحزن
قد حسن الحب في عيني ما صنعت حتى أرى حسنا ما ليس بالحسن
أَخْبَرَنِي علي بْن أيوب، قَالَ: أَخْبَرَنَا المرزباني، قَالَ: أَخْبَرَنِي الصولي، قال: روي عَنِ الزبير بْن بكار أن بشارا أنشد قول العباس بْن الأحنف أول ما قَالَ الشعر:
لما رأيت الليل سد طريقه عني وعذبني الظلام الراكد
والنجم في كبد السماء كأنه أعمى تحير ما لديه قائد
ناديت من طرد الرقاد بنومه عما ألاقي وهو خلو هاجد
قَالَ: قاتل اللَّه هذا الغلام ما رضي أن يجعله أعمى حتى جعله بلا قائد.
أَخْبَرَنَا الحسن بْن علي الجوهري، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن العباس، وأَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عمر بْن روح النهرواني، قَالَ: أَخْبَرَنَا المعافى بْن زكريا، قالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن القاسم الأنباري، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن المرزبان، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن أبي طاهر، قَالَ: قَالَ لي بعض أصحابنا، قَالَ بشار: ما كنا نعد هذا الغلام في الشعراء، يعني: العباس بْن الأحنف، حتى قَالَ هذين البيتين:
نزف البكاء دموع عينك فالتمس عينا لغيرك دمعها مدرار
من ذا يعيرك عينه تبكي بها يا من لعين للبكاء تعار
أَخْبَرَنَا أَبُو علي مُحَمَّد بْن الحسين بْن مُحَمَّد الجازري، قَالَ: حَدَّثَنَا المعافى بْن زكريا إملاء، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يحيى الصولي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسماعيل، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن يزيد المبرد، قَالَ: صرت إلى مجلس ابْن عَائِشَة، وفيه الجاحظ والجماز، فسأله عيسى بْن إسماعيل تينة: من أشعر المولدين، فقال: الذي يقول:
يزيدك وجهه حسنا إذا ما زدته نظرا
بعين خالط التفتير من أجفانها الحورا
ووجه سابري لو تصوب ماؤه قطرا
يعني: العباس بْن الأحنف.
أَخْبَرَنَا الحسن بْن مُحَمَّد بْن عبد الواحد، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عبد الرحيم المازني، وأَخْبَرَنَا القاضي أَبُو الطيب طاهر بْن عبد اللَّه الطبري، قَالَ: حَدَّثَنَا المعافى بْن زكريا الجريري، واللفظ للمازني، قالا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن القاسم الأنباري، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد اللَّه بْن أبي سعد، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد اللَّه بْن الربيع، قَالَ: حَدَّثَنِي صاحب لنا قَالَ: قَالَ هارون الرشيد، في الليل بيتا ورام، وأن يشفعه بآخر، فامتنع القول عليه، فقال: علي بالعباس بْن الأحنف الشاعر: فلما طرق ذعر، وفزع أهله، فلما وقف بين يدي الرشيد، قَالَ له: وجهت إليك لبيت قلته، ورمت أن أشفعه بمثله، فامتنع القول علي، فقال يا أمير المؤمنين: دعني حتى ترجع إلي نفسي، فإني قد تركت عيالي على حال من القلق عظيمة، ونالني من الخوف ما يتجاوز الحد والوصف، فانتظره هنية، ثم أنشده البيت:
جنان قد رأيناها ولم نر مثلها بشرا
فقال العباس بْن الأحنف:
يزيدك وجهها حسنا إذا ما زدته نظرا
فقال له الرشيد: زدني، فقال:
إذا ما الليل مال عليك بالإظلام واعتكرا
ودج فلم ترى قمرا فأبرزها ترى قمرا
فقال له الرشيد: قد ذعرناك، وأفزعنا عيالك، فأقل الواجب أن نعطيك ديتك، وأمر له بعشرة آلاف درهم وصرفه.
أَخْبَرَنِي علي بْن أيوب، قَالَ: أنشدنا أَبُو عبيد اللَّه المرزباني، عَنْ مُحَمَّد بْن يحيى الصولي للعباس بْن الأحنف:
برغمي أطيل الصد عنك وأبتلي بهجرك قلبا لم يزل فيك متعبا
وما أنا في صدي بأول ذي هوى رأى بعض ما لا يشتهي فتجنبا
تجنب يرتاد السلو فلم يجد له عنك في الأرض العريضة مذهبا
فصار إلى أن راجع الوصل صاغرا وعاد إلى ما تشتهين وأعتبا
أَخْبَرَنِي علي بْن أيوب، قَالَ: أَخْبَرَنَا المرزباني، قَالَ: حَدَّثَنِي علي بْن هارون، قَالَ: أَخْبَرَنِي أبي، قَالَ: من بارع شعر العباس بْن الأحنف قوله:
قد رق أعدائي لما حل بي فليت أحبابي كأعدائي
أملت بالهجران لي راحة من جمرات بين أحشائي
فازداد جهدي وبلائي بها أنا الذي استشفيت بالداء
قَالَ وقوله:
يا ذا الذي أنكرني طرفه إن ذاب جسمي وعلاني شحوب
ما مسني ضر ولكنني جفوت نفسي إذ جفاني الحبيب
أَخْبَرَنِي أَبُو القاسم الأزهري، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جعفر الأديب، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو القاسم السكوني إملاء، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بْن مكرم، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يزيد الثمالي، قَالَ: مات أَبُو العتاهية، وعباس بْن الأحنف، وإبراهيم الموصلي، في يوم واحد، فرفع خبرهم إلى الرشيد، فأمر المأمون بحضورهم والصلاة عليهم، فوافى المأمون، وقد صفوا له في موضع الجنائز، فقال: من قدمتم، فقالوا: إبراهيم، قَالَ: أخروه وقدموا عباسا، قَالَ فلما فرغ من الصلاة اعترضه بعض الطاهرية، فقال له: أيها الأمير بم قدمت عباسا؟ فقال: يا فضولي، بقوله:
سماك لي قوم وقالوا إنها لهي التي تشقى بها وتكابد
فجحدتهم ليكون غيرك ظنهم إني ليعجبني المحب الجاحد
قلت: في هذا الخبر نظر، لأن وفاة العباس كانت بالبصرة، واختلف في الوقت الذي مات فيه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الحسين بْن أبي سليمان، وعلى بْن أبي علي المعدلان، قالا: أَخْبَرَنَا عبيد اللَّه بْن عبد الرحمن الزهري، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن القاسم الشطوي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عبيد، قَالَ: سمعت الأصمعي، يقول: بينما أنا ذات يوم قاعد في مجلس بالبصرة، فإذا أنا بغلام أحسن الناس وجها وثوبا، واقف على رأسي، فقال: إن مولاي يريد أن يوصي إليك، فقمت معه، فأخذ بيدي حتى أخرجني إلى الصحراء، فإذا أنا بعباس بْن الأحنف ملقى على فراشه، وإذا هو يجود بنفسه، وهو، يقول: أَبُو بَكْر: فهذا يدل على أنه مات بعد السنة التي ذكر إبراهيم بْن العباس أنه مات فيها، لأن الرشيد توفي سنة ثلاث وتسعين ومائة.
يا بعيد الدار من وطنه مفردا يبكي على شجنه
كلما جد النجاء به دارت الأسقام في بدنه
ثم أغمي عليه، فانتبه بصوت طائر على شجرة، وهو يقول:
ولقد زاد الفؤاد شجى هاتف يبكي على فننه
شاقه ما شاقني فبكى كلنا يبكي على سكنه
ثم أغمي عليه، فظننا مثل الأولى، فحركته فإذا هو ميت.
أنبأنا إبراهيم بْن مخلد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الفرج علي بْن الحسين الأصبهاني، قَالَ: أَخْبَرَنِي إسماعيل بْن يونس، قَالَ: حَدَّثَنَا عمر بْن شبة، قَالَ: مات إبراهيم الموصلي في سنة ثمان وثمانين ومائة، ومات في ذلك اليوم الكسائي النحوي، وعباس بْن الأحنف.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الحسن الأهوازي، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسن بْن عبد اللَّه اللغوي، عَنْ أبي بكر الصولي، قَالَ: حَدَّثَنَا القاسم بْن إسماعيل، قَالَ: سمعت إبراهيم بْن العباس الصولي، يقول: توفي العباس بْن الأحنف سنة اثنتين وتسعين ومائة، وتوفي أبوه الأحنف سنة خمسين ومائة، ودفن بالبصرة، قَالَ: وكان انتقال أهله إلى خراسان من البصرة، ولهم فيها منازل.
قَالَ أَبُو بَكْر الصولي: وَحَدَّثَنِي عون بْن مُحَمَّد، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قَالَ: أنا رأيت العباس بْن الأحنف ببغداد بعد موت الرشيد، وكان منزله بباب الشام، وكان لي صديقا، ومات وسنه أقل من ستين سنة، قَالَ
الصفحة 8
572