كتاب تاريخ بغداد ت بشار (اسم الجزء: 16)
7303 - هارون أمير المؤمنين الواثق بالله بن محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ويكنى أبا جعفر
استخلف بعد أبيه المعتصم، وكان يسكن سر من رأى فأَخْبَرَنَا علي بن أحمد بن عمر المقرئ، قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بن أحمد بن أبي قيس الرفاء، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي الدنيا، قال: وبويع هارون بن محمد في اليوم الذي توفي فيه أبوه المعتصم بسر من رأى، وهو يومئذ ابن تسع وعشرين سنة، وورد رسوله إلى بغداد يوم الجمعة على إسحاق بن إبراهيم فلم يظهر ذَلِكَ، ودعا للمعتصم على منبري بغداد وهو ميت، فلما كان من الغد يوم السبت أمر إسحاق بن إبراهيم الهاشميين والقواد والناس بِحضور دار أمير المؤمنين فحضروا، فقرأ كتابه على الناس بنعي أبيه، وأخذ البيعة، فبايع الناس أَخْبَرَنَا الأزجي، قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن أحمد المفيد، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو بشر الدولابي، قَالَ: أَخْبَرَنِي أبو موسى العباسي، قَالَ: ولد هارون الواثق بالله ابن المعتصم بالله بن هارون الرشيد سنة تسعين ومائة، وأمه أم ولد، يقال لَها: قراطيس، وولي الخلافة سنة سبع وعشرين ومائتين، وتوفي لست أيام بقيت من ذي الحجة سنة اثنتين ومائتين أَخْبَرَنَا ابن رزق، قَالَ: أَخْبَرَنَا عثمان بن أحمد الدقاق، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن أحمد بن البراء، قَالَ: الواثق بالله كنيته أبو جعفر، ولد بطريق مكة أَخْبَرَنَا الحسن بن أبي بكر، قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن عبد الله الشافعي، قَالَ: أَخْبَرَنَا عمر بن حفص السدوسي، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن يزيد، قال: واستخلف هارون بن أبي إسحاق الواثق بالله في شهر ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين، وتوفي يوم الأربعاء في ذي الحجة لثلاث بقين سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، فكانت خلافته خَمس سنين وثلاثة أشهر وخمسة عشر يومًا، وكانت أمه أم ولد، يقالُ لَها: قراطيس، وكنيته أبو جعفر أَخْبَرَنِي الأزهري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن إبراهيم، قَالَ: حَدَّثَنَا إبراهيم بن محمد بن عرفة، قال: الواثق يكنى أبا جعفر، وهو هارون بن محمد المعتصم، وكانت أمه مولدة، ومولده سنة ست وتسعين ومائة، ولَما مات المعتصم وتولى الواثق الخلافة كتب دعبل بن علي الخزاعي أبياتًا ثُم أتى بِها الحاجب، فقال: أبلغ أمير المؤمنين السلام، وقل: مديح الدعبل، قال فأخذ الحاجب الطومار، فأدخله إلى الواثق ففضه، فإذا فيه:
الحمد لله لا صبر ولا جلد ولا رقاد إذا أهل الهوى رقدوا
خليفة مات لَم يَحزن له أحد وآخر قام لَم يفرح به أحد
فمر هذا ومر الشؤم يتبعه وقام هذا وقام الويل والنكد
فطلب فلم يوجد أَخْبَرَنَا القاضي أبو العلاء الواسطي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو حامد أحمد بن الحسين المروزي، إجازة، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن الخضر، قال: قال الأمير منصور بن طلحة يَمدح الواثق بالله:
إن الذي بعث النبي محمدًا وهب الخلافة للإمام المهتدي
قمر إذا أجدى ونار إن سطا لا يعدلان عن الطريق الأقصد
أشرب على وجه السرور مدامة حَمراء كالعيوق أو كالفرقد
من كف أغير قد تضرج كفه من لونِها أو خده المتورد
حدَّثَنِي الحسن بن محمد الخلال، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن عمران، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بن القاسم الكاتب أبو علي، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو بكر محمد بن عجلان، قَالَ: أَخْبَرَنِي حمدون بن إسماعيل، قال: كتب محمد بن حماد بْن دنْقَش، للواثق بيتين من شعر هما:
جذبت دواعي النفس عن طلب الغنى وقلت لَها عفي عن الطلب النزر
فإن أمير المؤمنين بكفه مدار رحى الأرزاق دائبة تجري
فوقع: جذبك نفسك عن امتهانِها دعا إلى صونك بسعة فضلي عليك، فخذ ما طلبت هنيئًا حدَّثَنِي الحسن بن أبي طالب، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن مُحَمَّد بن عروة، قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن يحيى، قال: حدَّثَنِي علي بن محمد، قال: سمعت خالي محمد بن أحمد بن حمدون، يقول: دخل هارون بن زياد مؤدب الواثق، على الواثق فأكرمه وأظهر من بره ما شهر به، فقيل له: من هذا يا أمير المؤمنين الذي فعلت به ما فعلت؟ فقال: هذا أول من فتق لساني بذكر الله، وأدناني من رحمة الله عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَنِي الأزهري، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو أحمد عبيد الله بن محمد المقرئ، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن يحيى النديم، قَالَ: حَدَّثَنَا الخزنبل، قال: أمر الواثق ابن أبي دؤاد أن يصلي بالناس في يوم عيد وكان عليلًا؛ فلما انصرف، قال له: يا أبا عبد الله، كيف كان عيدكم؟ قال: كنا في نَهار لا شمس فيه، فضحك، وقال: يا أبا عبد الله، أنا مؤيد بك، قلت: وكان ابن أبي دؤاد قد استولى على الواثق وحمله عل التشدد في المحنة، ودعا الناس إلى القول بِخلق القرآن، ويقال: إن الواثق رجع عن ذلك القول قبل موته فأَخْبَرَنِي عبيد الله بن أبي الفتح، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن إبراهيم بن الحسن، قَالَ: حَدَّثَنَا إبراهيم بن محمد بن عرفة، قال: حدَّثَنِي حامد بن العباس، عن رجل، عن المهتدي: أن الواثق مات وقد تاب عن القول بِخلق القرآن أَخْبَرَنَا أبو منصور باي بن جعفر الجيلي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن محمد بن عمران، قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن يحيى، قال: حدَّثَنِي عبد الله بن المعتز، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن هارون النحوي، عن محمد بن عطية، مؤدب المهتدي، قال: قال محمد ابن المهتدي: كنت أمشي مع الواثق في صحن داره، فقال لي: يا محمد ادع لي بإداوة وقرطاس فدعوت له، فقال: اكتب، فكتبت:
تنح عن القبيح ولا ترده ومن أوليته حسنا فزده
ستكفي من عدوك كل كيد إذا كاد العدو ولم تكده
ثُمَّ قال: اكتب:
هي المقادير تجري في أعنتها واصبر فليس لَها صبر على حال
ثم أفكر طويلًا فلم يأته شيء آخر، فقال: حسبك أَخْبَرَنِي علي بن أيوب القمي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو عبيد الله المرزباني، قَال: أَخْبَرَنِي محمد بن يحيى، قَالَ: حدَّثَنِي علي بن محمد بن نصر بن بسام، قَالَ: حدَّثَنِي خالي أحمد بن حمدون، قال: كان بين الواثق وبين بعض جواريه شيء فخرج كسلان، فلم أزل أنا والفتح بن خاقان نَحتال لنشاطه، فرآني أضاحك الفتح بن خاقان، فقال: قاتل الله ابن الأحنف، حيث يقول:
عدل من الله أبكاني وأضحككم فالْحمد لله عدل كل ما صنعا
اليوم أبكي على قلبي وأندبه قلب ألَح عليه الحب فانصدعا
للحب في كل عضو لي على حدة نوع تفرق عنه الصبر واجتمعا
فقال الفتح: أنت، والله، يا أمير المؤمنين في وضع التمثيل موضعه أشعر منه وأعلم وأظرف أَخْبَرَنَا باي بن جعفر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عمران، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن يَحْيَى، قَالَ: سمعتُ الْحُسَيْن بْن فهم، يَقُولُ: سمعتُ يَحْيَى بْن أكثم، يَقُولُ: ما أحسن أحد إلى آل أبي طالب من خلفاء بني العباس ما أحسن إليهم الواثق، ما مات وفيهم فقير أَخْبَرَنَا أبو حاتم أحمد بن الحسن بن محمد الرازي الواعظ، في كتابه إلينا بِخطه، قال: حَدَّثَنَا محمد بن عبد الواحد بن محمد المعدل، قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن أحمد بن علي أبو الحسن الحافظ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بن عبد الله بن يحيى البرمكي، قَالَ: حَدَّثَنَا زرقان بن أبي دؤاد، قال: لَما احتضر الواثق جعل يردد هذين البيتين:
الموت فيه جَميع الخلق مشترك لا سوقة منهم يبقى ولا ملك
ما ضر أهل قليل في تفاقرهم وليس يغني عن الأملاك ما ملكوا
ثُمَّ مر بالبسط فطويت، وألصق خذه بالأرض، وجعل يقول: يا من لا يزول ملكه، ارحم من قد زال ملكه أَخْبَرَنَا التنوخي، قال: أَخْبَرَنِي أبي، قال: حدَّثَنِي الحسين بن الحسن بن أحمد بن محمد الواثقي، قال: حدَّثَنِي أبي، قَالَ: حدَّثَنِي أبي أحمد بن محمد، أمير البصرة، قال: حدَّثَنِي أبي، قال: كنت أحد من مَرَّضَ الواثق في علته التي مات فيها، فكنت قائمًا بين يدي الواثق أنا وَجَمَاعة من الأولياء والموالي والخدم؛ إذ لَحِقَتْهُ غشية، فما شككنا أنه قد مات، فقال بعضنا لبعض: تقدموا فاعرفوا خبره، فما جسر أحد منهم يتقدم، فتقدمت أنا، فلما صرت عند رأسه وأردت أن أضع يدي على أنفه أعتبر نفسه لَحقته إفاقة ففتح عينيه، فكدت أن أموت فزعًا من أن يراني قد مشيت في مجلسه إلى غير رتبتي، فتراجعت إلى خلف، وتعلقت قبيعة سيفي بعتبة المجلس وعثرت به، فاتكأت عليه، فاندق سيفي وكاد أن يدخل في لَحْمِي ويَجرحني، فسلمت وخرجت، فاستدعيت سيفًا ومنطقة أخرى، فلبستها وجئت حتى وقفت فِي مرتبتي ساعة، فتلف الواثق تلفًا لَم تشك جَماعتنا فيه، فتقدمت فشددت لِحييه، وغمضته، وسجيته، ووجهته إلى القبلة، وجاء الفراشون فأخذوا ما تَحْتَه في المجلس ليردوه إلى الخزائن؛ لأن جَميعه مثبت عليهم، وترك وحده في البيت، وقال لي ابن أبي دؤاد القاضي: إنا نريد أن نتشاغل بعقد البيعة، ولا بد أن يكون أحدنا يَحفظ الميت إلى أن يدفن، فأحب أن تكون أنت ذلك الرجل، وقد كنت من أخصهم به في حياته، وذلك أنه اصطنعني واختصني حتى لقبني الواثقي باسمه، فحزنت عليه حزنًا شديدًا، فقلت: دعوني وامضوا، فرددت باب المجلس وجلست في الصحن عند الباب أحفظه، وكان المجلس في بستان عظيم أجربة، وهو بين بستانين، فحسست بعد ساعة في البيت بِحركة أفزعتني، فدخلت أنظر ما هي، فإذا بِجرذون من دواب البستان قد جاء حتى استل عين الواثق فأكلها، فقلت: لا إله إلا الله هذه العين التي فتحها منذ ساعة، فاندق سيفي هيبة لَها، صارت طعمة لدابة ضعيفة، قال: وجاءوا فغسلوه بعد ساعة، فسألني ابن أبي دؤاد عن سبب عينه، فأخبرته، قال: والجرذون دابة أكبر من اليربوع قليلًا أَخْبَرَنَا محمد بن أحمد بن رزق، قَالَ: أَخْبَرَنَا عثمان بن أحمد، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن البراء، قال: ومات الواثق بالله بالقصر الهاروني من سر من رأى يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وكان عمره اثنتين وثلاثين سنة، وخلافته خَمس سنين وتسعة أشهر وخمسة أيام أَخْبَرَنَا علي بن أحمد بن عمر المقرئ، قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بن أحمد بن أبي قيس، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن أبي الدُّنْيَا، قال: حدَّثَنِي أحمد ابن الواثق، قال: بلغ أبي ثَمانيًا وثلاثين سنة، قال ابن أبي الدنيا: مات الواثق بسر من رأى يوم الأربعاء لست ليال بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وصلى عليه جعفر أخوه، ودفن هناك، وكانت خلافته خَمس سنين وشهرين وأحد وعشرين يومًا، وكان أبيض يعلوه صفرة، حسن اللحية، في عينه نكتة
الصفحة 22
720