كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام (اسم الجزء: 1)

"يكفيك الإقامةُ، فأقم أنت".
3 - النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- قدَّمَ المصلحةَ العامَّةَ على المصلحة الخاصَّة؛ فعبد الله بن زيد له حقٌّ في الأذان، وقيامه به مصلحةٌ خاصَّةٌ به، وقيامُ بلال به مصلحةٌ عامَّة لِحُسْنِ صوتِهِ ونداوته، فقدَّمها، ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله ابن زيد: "قم مع بلال، فَأَلْقِ عليه ما رأيتَ فليؤذِّنْ به؛ فإنَّه أندى منك صوتًا" [رواه الترمذي (189)]، ففي هذا تقديمُ المصلحة العامة على المصلحة الخاصَّة، وأنَّه من السياسةِ الشرعيَّةِ الحكيمة.
4 - جوازُ أنْ يقومَ بالأذان واحدٌ، ويقومَ بالإقامة آخَر، وهو مذهبُ الجمهور، كما تقدَّم.
5 - حرص الصحابة -رضي الله عنهم- على فعل الخير، وتسابقهم إليه؛ فهم أوَّل من تناله هذا الآية: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)} [المؤمنون].
6 - فضلُ الأذانِ، وتنافُسُ الصحابة بالحصول على القيامِ به؛ فقد جاء في البخاري (615)، ومسلم (437) أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لوْ يَعْلَمُ النَّاسُ ما في النِّداء والصف الأوَّل، ثمَّ لا يجدوا إلاَّ أنْ يَسْتَهِمُوا عليه، لاَسْتَهَمُوا عليه".
7 - فيه مراعاةُ المصالح الخاصَّة إذا لم تُخِلَّ بالمصالح العامة؛ فإنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أَذِنَ له في الإقامة رعايةً لحقِّه، وقيامُهُ بها لا يُخِلُّ بمقصودِ الإقامة، فما هي إلاَّ إعلامٌ للحاضرين بقيامِ الصَّلاة، فلا تحتاجُ إلى صوتٍ عالٍ كالأذان.

الصفحة 545