كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام (اسم الجزء: 2)
وأمَّا الحديث: فضعيف لا تقوم به حجَّة.
ذهب بعض العلماء: إلى أنَّ العلَّة في النَّهي عن الصَّلاة في معاطن الإبل، وعدم صحتها فيها، هي نجاسَتُهَا، وهي مبنيةٌ على القول بأنَّ جميعَ أرواثِ وأبوال الحيوان نجسة، سواءٌ منها الحلالُ المأكول، أو محَرَّمُ الأكل.
وهذا قولٌ ضعيفٌ، مخالفٌ للأدلة الصحيحة، فإنَّ ما يؤكل لحمه، طاهرُ الفضلات، وقد أمر النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- العُرَنيِّين أنْ يَشْرَبُوا أبوال الإبل، ولو كانت نجسةً لم يُبِحْهَا، ولو أباحتها الضرورةُ لأمَرَ النَّبيُّ بالتحرُّز منها، وغَسْل نجاستها من أفواهَهم وثيابهم وأوانيهم وغير ذلك، وتأخيرُ البيان عن وقت الحاجَة لا يجوز.
وذهب بعضهم: إلى أنَّ العلَّة تعبُّدية، فلا نعقلُ حكمتها ولا سرَّها، وما علينا إلاَّ أنْ نقولَ: سمعنا وأطعنا، والعلَّةُ والحكمةُ هي ما أَمَرَ الشرعُ أو نهى عنه، وذلك كافٍ للمؤمن؛ قال تعالي: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]؛ فالواجب: التسليمُ والانقيادُ والإيمانُ الصَّادق بأنَّ الله تعالى لم يشرع شيئًا إلاَّ وله مصلحةٌ، ومنفعةٌ وحكمة، قد تظهر وقد تخفى.
وذهب بعض أهل العلم: إلى أنَّ العلَّة في الصَّلاة في معاطن الإبل، هي العلَّةُ بالأمر بالوضوء من لحومها، وذلك أنَّ الإبلَ لها قُرَنَاءُ من الشياطين، تأوي معها إلى معاطنها، ولذا يعرف رعاة الإبل والَّذين يسوسونها بالكبرياء والتعظُّم، تأثُّرًا بمعاشرتها.
وبهذا: فالصَّلاة لا تصحُّ في الأمكنة التي تأوي إليها الشياطين، والله أعلم.
***
الصفحة 29
650