كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام (اسم الجزء: 3)

خنادقهم ومواقفهم، ومهما حصل منهم من حركةٍ وعدوَّ، واستدبارٍ للقبلة، فهو معفوٌّ عنه، ويركعون ويسجدون إيماءً.
أما صلاتها جماعة بإمام واحد فتجوز في كل صفة صحت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد جاءت الأخبار بأنَّها ستة عشر نوعًا، والمشهور من ذلك ست، أو سبع صفات، أجازها كلها الإمام أحمد، واختار منها حديث سهل بن أبي حثمة الأنصاري الأوسي الساعدي؛ لأنَّه أشبه بما جاء في الكتاب، ولأنَّه أحوط للصلاة، وأحوط أيضًا في حالة الحرب، وأتقى للعدو، وأقل في الحركة والأفعال.
ونستفيد من مشروعية صلاة الخوف -كلها بصفاتها الخفيفة والثقيلة- أمرين:
الأول: عظم أمر الصلاة، وشدَّة الاهتمام بها، والحرص على أدائها في وقتها، فإنَّه لم يُعذر المسلمُ في أدائها حتى في هذه الحال، التي يشتد فيها القتال، ويختلط المسلمون فيها بعدوهم، ويشتبكون بالسلاح الأبيض، فإذا بلغ الأمر هذا المبلغ بالاهتمام بالصلاة، فكيف يتساهل بها، ويفوتها الوادعون في بيوتهم وفُرشهم؛ إنَّ هذا شيء عجيب غريب.
الثاني: عظم الجهاد في سبيل الله، وأهميته، والقيام به، حتى بلغ أنَّه سومح لأجله بالإخلال بالصلاة المفروضة، وترك الكثير من أركانها، والإتيان بما ينافيها من الكرّ والفرّ، واستدبار القبلة، وترك الركوع والسجود والقعود، وغير ذلك في الصلاة، كل ذلك لأجل القيام بأمر الجهاد في سبيل الله؛ لإعلاء كلمة الله، ونشر دينه، وبث دعوته.
وما أصاب المسلمين من الذل والمهانة والحقارة، إلاَّ بتركهم الجهاد في سبيل الله، وركونهم إلى الدنيا والدَّعة، والإخلاد إلى الأرض، يريدون عَرَض الدنيا، والله يريد الآخرة، والله عزيز حكيم.

الصفحة 4