كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام (اسم الجزء: 6)

ويروى عن: علي، وعروة، وعطاء، وقال به الليث بن سعد، وداود، وابن حزم، ونصره في كتابه، "المحلى"، ورد حجج المخالفين.
وكانت عائشة إذا أحبت أن يدخل عليها أحد من الرجال، أمرت أختها أم كلثوم، أو بنات أخيها، فأرضعته.
ودليل هؤلاء: ما صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن سهلة بنت سهيل قالت: يا رسول الله، إن سالمًا مولى أبي حذيفة معنا في بيتنا، وقد بلغ ما يبلغ الرجال، فقال: "أرضِعيه، تحرمي عليه"؛ فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة. [رواه مسلم].
وهذا حديث صحيح ليس في ثبوته كلام، ولكن أصحاب القول بالحولين يجيبون عنه بأحد جوابين:
الأول: أنه منسوخ. ولكن دعوى النسخ تحتاج إلى معرفة التاريخ بين النصوص، وليس هناك علم بالمتقدم منها، والمتأخر.
ولو كان منسوخًا، لقاله الذين يحاجّون عائشة في هذه المسألة، ويناظرونها من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وغيرهن.
الجواب الثاني: دعوى الخصوصية؛ فيرون هذه الرخصة خاصة لسالم وسهلة، وليست لأحد غيرهما.
وتخريج هذا المسلك لهم: أنهم يقولون: جاءت سهلة شاكية متحرجة من الإثم والضيق، لما نزلت "آية الحجاب"، فرخَّص لها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكأنه استثناها من عموم الحكم.
قالوا: ويتعين هذا المسلك، وإلاَّ لزمنا أحد مسلكين: إما نسخ هذا الحديث بالأحاديث الدالة على اعتبار الصغر في التحريم، أو نسخها به.
ولا يمكن هذا؛ لأننا لا نعلم تاريخ السابق منها واللاحق، وبهذا المسلك نتمكن من العمل بالأحاديث كلها؛ فيكون هذا الحديث خاصًّا بـ"سالم " و"سهلة"، وسائر الأحاديث لعامة الأمة.

الصفحة 10