كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام (اسم الجزء: 7)

عنه الحنث بالنص والإجماع؛ فهذا دليلٌ على سقوط الوعد منه.
وذهب ابن شبرمة: إلى لزوم الوفاء بالوعد ديانة وقضاء؛ وهو مذهب بعض السلف، منهم عمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، وإسحاق بن راهويه، والظاهرية.
واستدل أصحاب هذا الرَّأي بنصوصِ من الكتاب والسنَّة؛ منها:
- {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].
- وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} [البقرة]، وغيرهما من الآيات.
- جاء في البخاري (33)، ومسلم (59)، عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "آية المنافق ثلاث" وذكر منها: "إذا وعد أخلف"؛ وبهذا يكون إخلاف الوعد من صفات المنافقين، ويكون محرَّمًا.
- ما أخرجه الترمذي (1995)؛ أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تمار أخاكَ، ولا تمازحه، ولا تعده موعدًا فتخلفه".
وذهب المالكية: إلى التفصيل فقالوا: يجب الوفاء به إذا كان الوعد على سبب، كأن يأمر بأنْ يدخل لشراء سلعةٍ، أو القيام بمشروع، فإذا تورَّط الموعود، رجع الواعد بوعده؛ فهذا يجب عليه الوفاء ديانةً وقضاء.
وأمَّا إنْ لم يحصل ضررٌ على الموعود من الرجوع بالوعد، فلا يلزم الوعد.
وحجَّة هؤلاء في تفصيلهم هذا: أنَّ النصوص الشرعية في هذه المسألة تعارضت، وهذا أحسن جمع بينها.
قال الشنقيطي في تفسيره: اختلف العلماء في لزوم الوفاء بالعهد:
فقال بعضهم: يلزم الوفاء به مطلقًا.
وقال بعضهم: لا يلزم مطلقًا.
وقال بعضهم: إن أدخله بالوعد في ورطةٍ لزم الوفاء به، وإلاَّ فلا.

الصفحة 410