كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام (اسم الجزء: 7)

2 - الوعيد الأكيد، والعذاب الشديد مُنْصَبٌّ على هؤلاء الرعاة الغاشِّين، بأنَّهم إذا ماتوا على هذه الحالة، فإنَّ الله قد حرَّم عليهم الجنَّة التي هي السعادة الأبدية؛ لأنَّهم لم يغشوا رعاياهم إلاَّ لأجل سعادتهم في الدنيا باستعبادهم، وجعلهم يشقون لحساب سعادتهم في حياتهم؛ فكان جزاؤهم أنَّ اللهَ حرمهم من السعادة الحقيقية الخالدة الدَّائمة.
3 - من الغش: ظلمُهُمْ بأخذ أموالهم بالضرائب والمكوس، واستيلائهم على حقوقهم الخاصَّة بأدنى الحيل من اختلاق ضرائب غير مباشرة، ومن غشِّهم: الاحتجابُ عن مصالحهم وحاجاتهم، ومن غشهم: تركُ المفسدين يعيثون فيهم بالفساد، بالنَّهب، والسطو، بدون إقامة الحدود وردع المجرمين، ومن غشِّهم: توليةُ الأمراء، والقضاء، والرؤساء، ممَّن لا كفاءة لهم، ولا أمانة، وإنَّما ولوا من أجل القرابات والصِّلات.
4 - الأحاديث كثيرة تدل على أنَّ الغش من الولاة من الكبائر، وأنَّه من المعاصي المتعدِّي ضررها وشرها.
قال ابن بطال: هذا وعيدٌ شديدٌ على أئمة الجور؛ فمن ضيَّع من استرعاه الله عليهم، أو خانهم، فقد توجَّه إليه الطلب بمصالح العباد يوم القيامة؛ فكيف يقدر على التحلل من الظلم من أمَّةٍ عظيمة؟
5 - قال شيخ الإسلام في السياسة الشرعية: وقد دلَّت السنَّة على أنَّ الولاية أمانة، يجب أداؤها؛ فقد جاء في البخاري (59) عن أبي هريرة؛ أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا ضيعت الأمانة فانتظر السَّاعة، قيل: وما إضاعتها؟ قال: إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله، فانتظر السَّاعة".
6 - ثمَّ قال رحمه الله: الولاة نواب الله تعالى على عباده، وهم وكلاء العباد على أنفسهم، والمقصود بالولاية: إصلاح دين الخلق الَّذي متى فاتهم، خسروا خسرانًا بينًا، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا، وإصلاح ما لا يقوم الدِّين إلاَّ

الصفحة 417