كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام (اسم الجزء: 7)

وهذا خلقٌ ذميم نهى عنه الشَّارع الحكيم، بما يسببه من الشرور في الدنيا، ولأَنَّه يأكل الحسنات، كما تأكل النَّار الحطب.
ثانيها: "لا تناجشوا": والنجش معناه: أنْ يزيد الإنسان في السلعة، لا لقصد شرائها، وانَّما لقصد الإضرار بالمشتري برفع ثمنها عليه، أو لنفع البائع بزيادة الثمن له، وهو حرام، وإذا تحقَّق، خيِّر المشتري بين الإمساك ورد البيع؛ لما ناله من الخديعة، والمكر، وزيادة الثمن.
ثالثها: "لا تباغضوا": نهى عن التباغض بين المسلمين؛ فإنَّ المسلمين جعلهم الله إخوة؛ قال عليه الصلاة والسَّلام: "والَّذي نفسي بيده! لا تدخلوا الجنَّة حتَّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتَّى تحابوا، أفلا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السَّلام بينكم" [أخرجه مسلم (54)].
ولهذا المعنى حرَّم الله تعالى المشي بالنميمة؛ لما فيها من إيقاع العداوة والبغضاء، ورخَّص في الكذب في الإصلاح بين النَّاس.
أمَّا البغض في الله تعالى، فهو من أوثق عرى الإيمان، وليس داخلاً في النَّهي.
وعن ابن عباس: "من أحبَّ في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنَّما تُنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبدٌ طعم الإيمان -وإنْ كثرت صلاته وصومه- حتَّى يكون كذلك، وقد صارت عامَّة مؤاخاة النَّاس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي أهله شيئًا" رواه ابن جرير.
رابعها: "لا تدابروا": مأخوذٌ من أنْ يوليَ الرَّجل صاحبه دبره، ويعرض عنه بوجهه، فقد جاء في صحيح البخاري (6237)، وصحيح مسلم (2560) من حديث أبي أيوبٍ الأنصاري؛ أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يحل لمسلمٍ أنْ يهجر أخاه فوق ثلاث، وخيرهما الَّذي يبدأ بالسَّلام".
فالهجر فوق ثلاث محرَّم لا يجوز، ويحصل إنهاء الهجر بالسَّلام، وأمَّا

الصفحة 432