كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام (اسم الجزء: 7)

الهجر لأجل دين، فتجوز الزيادة من غير تحديد، حتَّى يزول المانع من الهجر؛ واستُدل على ذلك بقصَّة الثلاثة الَّذين خُلِّفوا، ويباح على أهل البدع المغلَّظة والدعاة إلى الأهواء والمبادىء الهدَّامة، وأصحاب المذاهب المضللة.
خامسها: "ولا يبع بعضكم على بيع بعض": قال الفقهاء: معناه أنْ يكون قد باع عليه شيئًا، فينزل للمشتري سلعته بأرخص ليشتريها، ويفسخ بيع الأوَّل، وهذا إذا كان في خيار المجلس، أو خيار الشرط، وكذلك على الصحيح يشمل فيما إذا تمَّ البيع بينهما، ولم يبق خيار؛ وذلك لئلا يحتال المشتري، أو البائع على فسخ العقد، ويكون في نفسه عداوة وبغض للعاقد معه.
قوله: "ولا يبع بعضكم على بيع بعض": قد تكاثر النَّهي عن ذلك، ففي البخاري (2140) ومسلم (413) عن أبي هريرة، أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يبع المؤمن على بيع أخيه المؤمن" وفي روايةٍ لمسلم: "لا يسم على سوم أخيه".
وفي البخاري (2139) ومسلم (2032) من حديث ابن عمر؛ أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يبع الرجل على بيع أخيه"، هذا دليلٌ على اختصاص ذلك بالمسلم دون الكافر، وهو مذهب أحمد والأوزاعي.
وذهب كثيرٌ من الفقهاء: إلى أن النَّهْيَ عامٌّ في حقِّ المسلم والكافر.
وأصح القولين أنَّ النَّهي للتحريم.
2 - "وكونوا عبادًا إخوانًا": ذكره النَّبي -صلى الله عليه وسلم- كالتعليل لما تقدَّم؛ فإنَّ في هذه الجملة اللطيفة إشارةً إلى أنَّهم إذا تركوا التحاسد، والتناجش، والتباغض، والتدابر، ولم يبع بعضهم على بيع بعض، صاروا إخوةً متحابين متآلفين.
3 - فيه الأمر باكتساب الأشياء التي تجلب المحبَّة، والمودة، والألفة: من ردِّ السَّلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، ونحو ذلك من الحقوق التي سنَّها الإسلام بين المسلمين؛ لتمكِّن المودَّة، والألفة

الصفحة 433