كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام (اسم الجزء: 7)

والفضيل بن عياض، وسليمان الخوَّاص، وبِشْر الحافي، ونحوهم.
وذهب إلى تفضيل المخالطة: سعيد بن المسيب، والشَّعبي، وابن أبي ليلى, وشريح، وشريك، وعبد الله بن المبارك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وغيرهم.
استدل الأوَّلون على استحباب العزلة: بقول إبراهيم الخليل -عليه السلام-: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي} [مريم: 48]، وبقوله تعالى: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49)} [مريم]، وبما جاء في البخاري (6494) ومسلم (1888)، من حديث أبي سعيد الخدري، قيل: يا رسول الله، أي الناس خير؛ قال: "رجلٌ جاهد بنفسه وماله، ورجلٌ في شعب من الشعاب يعبد ربه، ويدع الناس من شره".
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "خذوا بحظِّكم من العزلة".
وقال سعد بن أبي وقاص: "لوددت أنَّ بيني وبين الناس بابًا من حديد، لا يكلمني أحد ولا أكلِّمه حتى ألقى الله سبحانه".
وفي العزلة: تفرغ للعبادة، وبُعد عن معاصي الله، وعمَّا يعرض من الفتنة، والسلامة من الغيبة، ومن آفة الرياء، وصيانة الدين عن الخوض في ذلك فيما لا يرضي الله تعالى.
ففي ذلك البعد عن شرور الناس، وأذية كثير منهم، والبعد عما يلهي القلب والعين عند النظر إلى زهرة الحياة الدنيا.
وهناك فوائد أخرى يكتسبها المعتزل، إما بتوفير الوقت لاشتغاله بالنافع، وإما بالسلامة من الشرور والآثام.
واستدل الذين فضَّلوا الاجتماع والاختلاط: بقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ...} [آل عمران: 103]، وقال تعالى: {فَأَلَّفَ

الصفحة 515