كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام (اسم الجزء: 7)

بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ...} [آل عمران: 103].
وما جاء عن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة؛ فإنَّ الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بُحبوحة الجنة فليلزم الجماعة" [رواه الترمذي (2165)].
ومن فوائد الاجتماع: التعلم والتعليم، والنفع والانتفاع، والقيام بالحقوق من الاجتماع في العبادات، وإفشاء السلام، ورد التحيات، وعيادة المرض، وشهود الجنائز، وتأدية العادات المستحسنة فيما بين المسلمين، وحصول الائتلاف والأخوة الإيمانية من المحبة في الله، والتآمر بالمعروف، والتناهي عن المنكرات، وقضاء الحاجات؛ فكل هذه الأمور مفقودة مع العزلة.
وفصل الخطاب في هذا الباب: أنَّه لكل من العزلة والاختلاط فوائده ومضاره المعروفة، فالعزلة فيها السلامة والبعد عن الشر، إلاَّ أنَّ الاجتماع يحسُنُ ويفضل في حالتين:
الأولى: أن يكون الشخص نافعًا مفيدًا في مجتمعه، نافعاً بعلمه؛ تعليمًا، وإفتاءً، وإرشادًا، وقضاءً، وغير ذلك، مثل أن يكون ذا جاه ونفوذ كلمة، فينفع في الوساطات المحمودة، والشفاعات المرغوبة؛ فهو ملجأ بعد الله تعالى للمظلوم والمهضوم حقه ونحو ذلك، أو يكون صاحب بر وإحسان، فيجد عنده المعوزون قضاء حاجتهم، وسد خلاتهم، وغير هؤلاء ممن هم أركان في المجتمعات؛ فعزلة هؤلاء وأمثالهم: ضرر عليهم بحرمانهم من الأجر المتعدي، وضرر على غيرهم -حيث يفقد ذو الحاجات- من المستفيدين، والمعلِّمين، والمظلومين، والمعوزين مَنْ يعينهم على أمورهم.
وأفضل ما يقال: إنَّ صاحب الكلمة المسموعة، والإشارة النافذة، والنفع المتعدي، من علم، أو جاه، أو فضل، الأفضل أن لا يعتزل، بل يكون

الصفحة 516