كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام (اسم الجزء: 7)

الخدري عند مسلم، وهذه المباها؛ دليلٌ على شرف الذكر عنده، ومحبته له، وأنَّ له مزية على غيره من الأعمال.
25 - أنَّ جميع الأعمال إنَّما شرعت لإقامة ذكر الله؛ فالمقصود بها تحصيل ذكر الله؛ قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} [طه:]، والأظهر: أنَّها لام التعليل، أي: لأجل ذكري.
26 - أنَّ إدامة الذكر تنوب عن التطوُّعات، وتقوم مقامها، سواء أكانت بدنية، أو مالية، أو بدنية مالية؛ كحج التطوع، وقد جاء ذلك صريحًا في حديث أبي هريرة وفيه: "ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى" [رواه البخاري (843) ومسلم (595)]؛ فجعل الذكر فيه عوضًا لهم عما فاتهم من الحج، والعمرة، والجهاد، والصدقة، أنهم يسبقون بهذا الذكر.
27 - أنَّ الذكر يسهِّل الصعب، وييسِّر العسير، ويخفِّف المشاق، فقلَّما ذكر الله على صعب إلاَّ هان، ولا عسير إلاَّ تيسر، ولا مشقة إلاَّ خفت، ولا شر إلاَّ زال، ولا كربة إلاَّ انفرجت، فذكر الله هو الفرج بعد الشدة، واليُسر بعد العسر، والفرج بعد الهم أو الغم.
28 - أنَّ الذكر يُذهب عن القلب مخاوفه، وله تأثير عجيب في حصول الأمن, فليس للخائف الذي اشتد خوفه أنفع من ذكر الله، حتى كأنَّ المخلوق يجدها أمانًا له، والغافل خائف مع أمنه، حتى كأنَّ ما هو فيه من الأمن كله مخاوف، ومن لَهُ أدنى حسٍّ شعر بهذا؛ فقد جُرِّب هذا.
29 - أنَّ الذكر يعطي الذاكر قوَّة؛ حتى إنَّه ليفعل مع الذكر ما لا يطيق فعله بدونه.
قال ابن القيم: وقد شاهدت من قوَّة شيخ الإِسلام ابن تيمية -قدَّس الله روحه- أمرًا عجيبًا؛ فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر، وقد شاهد العسكر من قوَّته في الحرب أمراً عظيمًا، وقد

الصفحة 531