كتاب الرسالة التبوكية زاد المهاجر إلى ربه - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

أحدهما: أنه حذف المبتدأ، والتقدير أنتم منكرون، فتذمَّم منهم، ولم يُواجهْهم بهذا الخطاب لما فيه من بعض الاستيحاش، بل قال: {قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥)}، ولا ريب أن حذف المبتدأ في هذا من محاسن الخطاب (¬١)، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يُواجِهُ أحدًا بما يكرهُه، بل يقول: "ما بالُ أقوامٍ يقولون كذا، ويفعلون كذا" (¬٢).
والثاني: قوله {قَوْمٌ مُنْكَرُونَ}؛ فحذف فاعل الإنكار، وهو الذي كان أنكرهم؛ كما قال تعالى في موضع آخر: {نَكِرَهُمْ} (¬٣)، ولا ريب أن قوله: {مُنْكَرُونَ (٢٥)} ألطفُ من أن يقول: أنكرتُكم.
وقوله: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (٢٧)} متضمنٌ وجوهًا من المدح، وآداب الضيافة، وإكرام الضيف:
منها: قوله {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ} , والروغانُ: الذهاب في سرعة (¬٤) واختفاءٍ، وهو يتضمن المبادرة إلى إكرام الضيف، والاختفاءُ ترك
---------------
(¬١) "بل قال. . . الخطاب" ساقطة من ط.
(¬٢) وردت أحاديث كثيرة بهذا الأسلوب، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما بالُ أقوامٍ يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟ ". أخرجه البخاري (٧٥٠) عن أنس. وقوله: "ما بالُ أقوامٍ يتنزهون عن الشيء أصنعُه؟ "، أخرجه البخاري (٦١٠١، ٧٣٠١) ومسلم (٢٣٥٦) عن عائشة.
(¬٣) سورة هود: ٧٠.
(¬٤) ط: "بسرعة".

الصفحة 76