كتاب تاريخ الفلسفة الحديثة

بالروحانيات وفي معالجة العلم الطبيعي، فتتّخذ من الناحية الأولى وجه الدين، ولكنه دين غامض مريب، ومن الناحية الثانية وجه الفلسفة، ولكنها فلسفة مشوبة بالسحر والتنجيم والطلسمات، فقد كان أصحابها يزعمون معرفة الطبيعة بمذهب سري، وإخضاعها بفن سري، تبعًا لما جاء عند أفلوطين من أن العالم جملة قوى مترتبة, وأن من الممكن التأثير فيما تحت فلك القمر بوساطة القوى العليا.
ب- إلى هذه النزعة ينتمي جان بيك دي لاميراندول, كان متضلعًا من اليونانية والعبرية، وكان يعتقد أن في الكابال حكمة لا تقل شأنًا عن حكمة أفلاطون وحكمة التوراة. وهو أحد الأفلاطونيين الذين حاولوا التوفيق بين أفلاطون وأرسطو، فصنف في ذلك كتابًا تركه غير تام. وقد شرح سفر التكوين شرحًا رمزيًّا بعد كثيرين سبقوه، فاستخرج منه بالتأويل الفلسفة الباهرة المعقدة الموجودة في الكابال.
6 - براسلس " 1493 - 1541 ":
هو تيوفانت هوهنهيم المعروف ببراسلس. عالم وطبيب ألماني, كتب بالألمانية. يرجع إلى النزعة المتقدمة، فيؤمن بنور باطن أعلى من "العقل الحيواني" ويحب الكابال ويمزج بينها وبين المسيحية، فيذهب إلى أن النفس الكلية والأرواح التي تليها صدرت عن المسيح، وأن من يطيع الإرادة الإلهية طاعة مطلقة يتحد بالمسيح وبالعقول المفارقة. ويزعم أنه خير الأطباء، الحاصل على الدواء الكلي أو حجر الفلاسفة. ويعارض العلم الطبيعي الأرسطوطالي في عدة نقط، وبالأخص نظرية العناصر الأربعة، وقسمة العالم إلى منطقة عليا وأخرى سفلى، فيقول: إن الموجودات الطبيعية جميعًا مركبة من عين المواد، خاضعة لعين القوانين. والعلم الطبيعي عنده قائم على أن كل شيء في العالم فهو رمز، وأن كل شيء فهو في كل شيء، وأن العلم تعيين درجات الصلة والألفة بين الأشياء، وأننا بمعرفة هذه الدرجات نعرف كيف تتفاعل الأشياء، وكيف نؤثر فيها. وكتبه كلها عبارة عن تعيين مقابلات من هذا القبيل, وقد كان لها تأثير كبير في الجمعيات الصوفية الألمانية, ولكن العلم الحديث اتخذ طريقًا بعيدًا كل البعد عن هذا الخيال.

الصفحة 13