كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 3)

وحرام يُعْمَل بها، وليس فيها شيءٌ لا يُعمَلُ به إلا آيةُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} (١).
وإنما كانت سورة المائدةِ محكمةً؛ لأنها آخِرُ سورةٍ نزلت كاملة؛ كما قال أحمد: "إنَّ أوَّل شيءٍ نزَلَ مِن القرآن: (اقرأ)، وآخر شيءٍ نزَلَ من القرآن: المائدةُ" (٢).
* * *

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (١)} [المائدة: ١].
الخطابُ في الآيةِ للمؤمِنينَ؛ ولذا قال ابنُ مسعودٍ: "إذا سمِعتَ اللهَ يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، فأَرْعِها سَمْعَك؛ فإنَّما هو خيرٌ يأمُرُ به، أو شرٌّ يَنهَى عنه" (٣).

أنواع العقود والعهود:
وأولُ أمرٍ بدَأ به هو الوفاءُ بالعقود، وهي العهودُ والمواثيقُ التي تكونُ بينَ الناسِ أفرادًا وجماعاتٍ ودُوَلًا؛ فالعقودُ هي العهود، والمرادُ بالعهودِ في الآيةِ نوعان، وكلُّها خصَّها اللهُ بالذِّكْرِ في كتابِه:
الأول: العهود التي أخَذَها اللهُ على الناسِ في كتابِهِ مِن أوامِرَ ونَوَاهٍ وتشريعاتٍ، وسُمِّيَت عهودًا وعقودًا باعتبارِ الميثاقِ الأولِ الذي أخَذَهُ اللهُ عليهم بعدَما أخرَجَهُم منِ ظَهْرِ أبيهِم آدمَ، فَقَرَّرَهم بربوبيَّتِهِ وحقِّه، وأشهَدَهُمْ على ذلك، وكذلك باعتبارِ الخَلْقِ، فالخلقُ في طوعِ الخالقِ؛
---------------
(١) "بدائع الفوائد" (٣/ ٩٩).
(٢) "طبقات الحنابلة" (١/ ٥٨).
(٣) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ١٩٦).

الصفحة 1078