كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 3)
وحِمَارِ الوحشِ ونحوهما؛ فهو حلالٌ؛ لأنَّ موتَ أمِّه بسببٍ حلالٍ.
وإنَّما أخَذَ الجنينُ حُكمَ أمِّه بموتِهِ معها! لأنه كحُكمِ أحدِ أعضائِها، ولا يُوجَدُ في الجنينِ حياةٌ يستقِلُّ بها عن أمِّه، وإلَّا لم يَمُتْ بموتِها، فهو حيٌّ كبقيَّةِ أعضائِها، وليس به مِن الدمِ ما يُحتاجُ لإراقتِهِ عندَ الذَّبحِ، وقد رُويَ عن ابنِ عمرَ: "هو بمزلةِ رِئَتِها وكبِدِها" (١).
وقد جاء في "السنن"؛ من حديثِ جابرٍ (٢)، وأبي سعيدٍ (٣)؛ قال - صلى الله عليه وسلم - (ذَكاةُ الجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ).
وإن مات الجنينُ في بطنِ أمِّه وهي حيَّةٌ، فهو محرَّمٌ؛ سواءٌ سقَطَ مِن بَطنِها ميِّتًا، أو شُقَّ بطنُها بجراحةٍ ثم أُخرِجَ منها وهي حيَّة، فحكمُهُ كحُكمِ العضو المقطوعِ منها وهي حيَّةٌ، كقَطعِ الأَلْيَةِ واليدِ والرِّجل، فلا يجوزُ أَكلُه؛ لِمَا في الحديثِ: (مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ، فَهوَ مَيْتَةٌ) (٤)، ويستثنى مِن هذا: ما قُطِعَ مِن البهيمةِ وهي حيَّةٌ تُطلَبُ لكونِها صيدًا هاربًا، أو مِن بهيمةِ الأنعامِ التي توحَّشتْ، فرُمِيَت بسهمٍ أو سيفٍ فقُطِعَت يدُها أو رِجلُها وبَقيت حيةً، ثم ماتت بذبحٍ أو بسببِ السهم، فنزَفَ دمُها، فما قُطِعَ منها قبلَ التَّمكُّنِ منها يتبعُ حكمَها اللاحقَ على الصحيحِ.
وإنْ خرَجَ الجنينُ حيًّا، استقَلَّ بالحُكمِ بنفسِهِ كبقيَّةِ البهائمِ.
وقوله تعالى في الآيةِ: {إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} دليلٌ على وجودِ التحريمِ
---------------
(١) "تفسير الطبري" (٨/ ١٤).
(٢) أخرجه أبو داود (٢٨٢٨) (٣/ ١٠٣).
(٣) أخرجه أحمد (١١٢٦٠) (٣/ ٣١)، وأبو داود (٢٨٢٧) (٣/ ١٠٣)، والترمذي (١٤٧٦) (٤/ ٧٢)، وابن ماجه (٣١٩٩) (٢/ ١٠٦٧).
(٤) أخرجه أحمد (٢١٩٠٣) (٥/ ٢١٨)، وأبو داود (٢٨٥٨) (٣/ ١١١)، والترمذي (١٤٨٠) (٤/ ٧٤).
الصفحة 1083
2230