كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)

ابنُ عباسٍ (١)، ومجاهِدٌ (٢)، وعطاءٌ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ (٣)، وغيرُهم.
روى عبدُ الرزَّاقِ، عن ابنِ جُرَيْجٍ؛ قال: كنتُ أسمعُ عطاءً يسألُهُ الغُرَباءُ: الطوافُ أفضلُ لنا أم الصلاةُ؟ فيقولُ: أمَّا لكم، فالطوافُ أفضلُ؛ إنَّكم لا تَقْدِرُونَ على الطوافِ بأرضِكم، وأنتم تَقْدِرُونَ هناك على الصلاةِ (٤).
وهو وجيهٌ؛ وذلك أنَّ الطوافَ لا يتحقَّقُ في كلِّ موضعٍ إلا في البيتِ، وهي خَصِيصةٌ له، ولمَّا كان الآفاقيُّ لا يتحقَّقُ له الطوافُ إلا في البيتِ إذا وَفَدَ إليه، فالطوافُ له أفضلُ؛ بخلافِ المكيِّ، فهو يُدرِكُ الصلاةَ والطوافَ على السواءِ في مسجدِ بلدِه، وهو المسجدُ الحرامُ، فبَقِيَتِ الصلاةُ أفضلَ؛ لفضلِ جنسِها، ولِمَا تشتمِلُ عليه من سجودٍ وركوعٍ ودعاءٍ وتسبيحٍ؛ وهذا تعظيمٌ وتذلُّلٌ لا يظهرُ في الطوافِ ظهورَهُ في الصلاةِ، ثمَّ إنَّ الطوافَ ينوبُ عن الصلاةِ في تحيةِ البيتِ، والبدلُ يأتي بعدَ المُبْدَلِ منه؛ كالوضوءِ مع التيمُّمِ، والآفاقيُّ الأفضلُ له أنْ يطوفَ تحيَّةً للبيتِ، ولو صلَّى ركعتَيْنِ، أجزَأَ عنه، والمكيُّ الأفضلُ له أنْ يصلِّيَ ركعتَيْنِ تحيةً للبيتِ، ولو طافَ، أجزَأَ عنه، ولا ينبَغي للمَكِّيِّ أنْ يُخْلِيَ نَفْسَهُ مِن تعاهُدِ البيتِ بالطوافِ؛ كما كان السلفُ مِن الصحابةِ والتابعينَ المكيِّينَ يَفْعَلون.
وإذا أطالَ الآفاقيُّ المقامَ عندَ البيتِ، فالصلاةُ له أفضلُ، ومِن السلفِ مَنْ حَدَّهُ بأربعينَ يومًا؛ كعطاءٍ والحسنِ، روى عبدُ الرزَّاقِ، عن هشامٍ، عن الحسنِ وعطاءٍ؛ قالا: "إذا أقامَ الغريبُ بمَكَّةَ أربعينَ يومًا،
---------------
(١) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١٥٠٤٢) (٣/ ٣٧١).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١٥٠٤٤) (٣/ ٣٧٢).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١٥٠٤١) (٣/ ٣٧١).
(٤) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (٩٠٢٧) (٥/ ٧٠).

الصفحة 114