كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)

يَطوفُوا بينَ الصَّفَا والمَرْوةِ، فأخبَرَ اللهُ أنَّهما مِن شعائرِهِ، والطوافَ بينَهما أَحَبُّ إليه، فمضَتِ السُّنَّةُ بالطَّوَافِ بينَهما (١).
وفي صحيحِ البخاريِّ ومسلمٍ، وغيرِهما، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبَيْرِ؛ قال: سألتُ عائشةَ - رضي الله عنها -، فقلتُ لها: أرأيتِ قولَ اللهِ تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، فواللهِ ما على أحدٍ جُناحٌ ألَّا يَطُوفَ بالصَّفَا والمَرْوةِ! قالتْ: بئسَ ما قلتَ يا ابنَ أختي، إنَّ هذه لو كانتْ كما أَوَّلْتَها عليه، كانتْ: لا جُناحَ عليه ألَّا يتطوَّفَ بهما، ولكنَّها أُنزِلَتْ في الأنصارِ، كانوا قبلَ أنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطاغيةِ التي كانوا يَعْبُدُونَها عندَ المُشَلَّلِ، فكان مَن أهَلَّ يتحرَّجُ أنْ يطُوفَ بالصَّفَا والمَرْوةِ، فلمَّا أَسْلَمُوا، سألوا رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، قالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّا كنَّا نتحرَّجُ أنْ نطوفَ بينَ الصَّفا والمَرْوةِ، فأنزَلَ اللهُ تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآيةَ؛ قالتْ عائشةُ - رضي الله عنها -: وقد سَنَّ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الطوافَ بَيْنَهما، فليس لأحدٍ أنْ يترُكَ الطوافَ بينَهما (٢).
وقولُه في الآيةِ: {فَلَا جُنَاحَ} فسَّرَهُ غيرُ واحدٍ بـ "لا إِثْمَ"؛ قاله السُّدِّيُّ وغيرُه (٣).
والمعنى الظاهرُ للآيةِ لمَنْ لا يعلمُ الحالَ قبلَ التشريعِ؛ يعني: لا حرَجَ ولا إثمَ لمَن فعَلَ ذلك، وغايةُ ذلك: الإباحةُ أو الاستحبابُ، وهذا غيرُ مرادٍ؛ لما تقدَّم.

حكمُ السعي بين الصفا والمروةِ:
وقد اختَلَفَ العلماءُ في حكمِ السعيِ بينَ الصَّفَا والمَرْوةِ على ثلاثةِ أقوالٍ، وهي ثلاثُ رواياتٍ في مذهبِ أحمدَ:
---------------
(١) "تفسير الطبري" (٢/ ٧١٦).
(٢) أخرجه البخاري (١٦٤٣) (٢/ ١٥٧)، ومسلم (١٣٧٧) (٢/ ٩٢٩).
(٣) "تفسير الطبري" (٢/ ٧١٤).

الصفحة 133