كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)

والاضطرارُ: ما لا يَقْدِرُ الإنسانُ على الامتناعِ منه بسببٍ مُوجِبٍ لذلك، وإنْ كان بحسَبِ ذاتِه قادرًا على الامتناعِ.

حُكْم أكلِ المَيْتَةِ للمضطَرِّ:
ويُستثنى مِن الأكلِ المحرَّمِ أكلُ ما اضطُرَّ إليه بلا بَغْيٍ ولا عدوانٍ، وأنْ تكونَ الضرورةُ إليه حقيقيَّةً لا توهُّمًا، وأنْ يكونَ الأخذُ منها بما يكسرُ الجُوعَ، ومَرَدُّ ذلك وضبطُهُ إلى تقديرِ الشخصِ في حالِه؛ فهو أعلمُ بها، ومِثلُ هذه الأحوالِ هي أفعالٌ خاصَّةٌ، وفي مواقفَ يصعُبُ على أيِّ أحدٍ تمييزُها إلا صاحبُها، وكلُّ حالٍ تختلِفُ عن الأُخرى، والضرورةُ إذا تحقَّقَتْ، ولم يَجِدِ الإنسانُ خيارًا مباحًا، جاز له أكلُ الميتةِ والدمِ والخنزيرِ.
وإذا كان يتيقَّنُ أنَّه إذا انتظَرَ وقتًا وصَلَ إليه طعامٌ، وانتظارُهُ لا يُضِرُّ به، حَرُمَ عليه الأكلُ.
قال قتادةُ: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ}؛ قال: "غيرَ باغٍ في أكلِه، ولا عادٍ: أنْ يتعدَّى حلالًا إلى حرامٍ، وهو يَجِدُ عنه مَنْدُوحةً" (١)؛ وكدا قال مجاهدٌ والحسنُ (٢).
ورُوِيَ ضبطُ جوازِ استعمالِ المَيْتةِ عندَ الضرورةِ في بعضِ الأحاديثِ؛ مِن ذلك: ما رواهُ أحمدُ والدارِميُّ، عن أبي واقدٍ اللَّيْثيِّ؛ قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّا بأرضٍ تُصِيبُنا بها مَخْمَصَةٌ، فما يَحِلُّ لنا مِن المَيْتةِ؟ قال: (إِذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا، وَلَمْ تَغْتَبِقُوا، وَلَمْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا، فَشَأْنُكُمْ بِهَا) (٣)؛ رُوِيَ مِن طرُقٍ عِدَّةٍ، وفي أسانيدِهِ ضعفٌ واضطرابٌ.
---------------
(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٦١)، "وتفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٢٨٥).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٦١).
(٣) أخرجه أحمد (٢١٨٩٨) (٥/ ٢١٨)، والدارمي في "سننه" (٢٠٣٩).

الصفحة 154