كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 3)

تعالى: {سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (٤٠)} [القلم: ٤٠]، ومنه قولُه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ) (١) زعيمٌ؛ يعني: كفيلًا، ومَن ضَمِنَ الشيءَ يجبُ عليه الوفاءُ به، وتجوزُ مُؤاخَذتُهُ عندَ تفريطِه، وقد جاء عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: (الزَّعِيمُ غَارِمٌ)؛ رواهُ أحمدُ وأصحابُ السنن؛ مِن حديثِ أبي أُمامةَ (٢).
وإذا ضَمِنَ رجلٌ مالًا على أحدٍ، فلم يَفِ صاحبُ المالِ الأصليُّ بما عليه، فالعلماءُ يتَّفِقونَ على أنَّ الغرِيمَ الأصليَّ مُطالَبٌ بكلِّ حالٍ، ولا يسقُطُ الحقُّ عنه بمجرَّدِ وجودِ الضامن، ولكنِ اختلَفَ العلماءُ في صاحِبِ الحقِّ: هل يكونُ مخيَّرًا بالأخذِ ممَّن شاء منهما مِن الأصليِّ والضامنِ؟ على قولينِ:
ذهَبَ جمهورُ العلماءِ: إلى أنَّه يأخُذُ ممَّن شاء منهما حتى يَستوفِيَ حقَّه؟ وهذا قولُ الأئمَّةِ الأربعةِ، خلافًا لمالكٍ في قولٍ له متأخِّرِ أنَّه لا يأخُذُ مِن الضامنِ حتى يَعجِز عن الأصليِّ؛ إما لِغِيَابِه، أو إفلاسِهِ.
ويصحُّ ضمانُ الحضور، وهي كفالةُ بدَنِ مَنْ عليه دَيْنٌ، وهي صحيحةٌ عندَ عامَّةِ العلماءِ؛ فمَنْ ضَمِنَ حضورَ أحدٍ وكفَلَه، وجَبَ عليه ولَزِمَه ذلك، وقد ذهب الشافعيُّ: إلى ضَعْفِها مِن جهةِ القياس، وظاهرُ الكتابِ ثبوتُها، وذلك في قولِهِ تعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦)} [يوسف: ٦٦].
* * *
---------------
(١) أخرجه أبو داود (٤٨٠٠).
(٢) أخرجه أحمد (٥/ ٢٦٧)، وأبو داود (٣٥٦٥)، والترمذي (١٢٦٥)، وأبو ماجه (٢٤٠٥).

الصفحة 1648