كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 3)

* قال تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (٧٣)} [يوسف: ٧٣].
في هذه الآيةِ: دليلٌ على أنَّ السَّرِقةَ مِن الفسادِ في الأرضِ؛ فقد وَصَفُوا ما اتَّهِموا به بأنَّه فسادٌ في الأرض، ويجوزُ أن يُلحِقَ الحاكمُ السَّرِقةَ المتكرِّرةَ بالفسادِ في الأرص، فيَقتُلَ السارقَ كثيرَ السَّرقةِ عظيمَ الشرِّ تعزيرًا؛ وذلك في زمنِ انتشارِ السرقةِ وذيوعِها، وعندَ القدرةِ على أهلِها، والأمنِ مِن الفتنِ والفسادِ التابعِ لذلك.
ولا يجوزُ أن تُجعَلَ السرقة المجرَّدةُ الواحدة حِرَابَةً؛ فإنَّ في ذلك إسقاطًا لحدِّ القَطْعِ، والحِرَابةُ حَدٌّ تعزيريٌّ واسعٌ، والقطعُ حدٌّ ضيِّقٌ، ولا يختلِفُ العلماءُ أنَّه إنْ تحقَّقَتِ السرقةُ الأُولى بشروطِها أنَّه يجبُ فيها القطعُ، ولكنْ إنِ اقترَنَ بالسرقةِ دعوةٌ إلى فِعْلِها والارتِزاقِ منها، أو تكرَّرت تكرُّرًا فاحشًا واقترَنتْ بخَوْفٍ ولو داخِلَ البلدِ وليس في المَفازاتِ، فلا حرَجَ مِن إلحاقِها بالفسادِ في الأرضِ.
وأمَّا ما جاء عندَ أبي داودَ والنَّسائيِ؛ مِن حديثِ جابرٍ، في قتل السارقِ في الخامسةِ؛ قال جابرُ بن عبد اللَّهِ: جِيءَ بِسَارِقٍ إِلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ: (اقْتُلُوهُ)، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه، إِنَّمَا سَرَقَ، فَقَالَ: (اقْطَعُوهُ)، قَالَ: فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ الثَّانِيَةَ، قَقَالَ: (اقْتُلُوهُ)، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا سَرَقَ، فَقَالَ: (اقْطَعُوهُ)، قَالَ: فقُطِعَ، ثَمَّ جِيءَ بِهِ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: (اقْتُلُوهُ)، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه، إِنَّمَا سَرَقَ، فَقَالَ: (اقْطَعُوهُ)، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الرَّابِعَةَ، فَقَالَ: (اقْتُلُوهُ)، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه، إِنَّمَا سَرَقَ، قَالَ: (اقْطَعُوهُ)، فَأُتِيَ لهِ الخَامِسَةَ، فَقَالَ: (اقْتُلُوهُ)، قَالَ جَابِرٌ: فَانْطَلَقنَا بِهِ فَقَتَلْنَاهُ، ثُمَّ اجْتَرَرْنَاهُ فَأَلْقَينَاهُ فِي بِئْرٍ، وَرَمَينَا عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ (١).
---------------
(١) أخرجه أبو داود (٤٤١٠)، والنسائي (٤٩٧٨).

الصفحة 1649