كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

* قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤)} [النحل: ١٤].
تقدَّم الكلامُ على صيدِ البحرِ ومَيْتَتِهِ عندَ قولِهِ تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٧٣]، وقولِهِ تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩٦)} [المائدة: ٩٦].
وفي الآيةِ: دليلٌ على حِلِّ حِلْيَةِ البحرِ وطهارةِ عَيْنِها، والإطلاقُ في قولِه: {حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} دليلٌ على جوازِ حِلْيَةِ البحرِ للرِّجَالِ والنِّسَاءِ، إلَّا أنَّه لمَّا كان التحلِّي مِن عادةِ النِّسَاءِ، غلَبَ عليهنَّ؛ كما قال تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} [الزخرف: ١٨]، والمرادُ المرأةُ، ولكنْ لو تحلَّى الرجُلُ بحِلْيةِ البحرِ بالتختُّمِ بخاتَم اللؤلؤِ وغيرِه مِن الجواهرِ، جازَ ذلك بلا مُشابَهةٍ لصِفَةِ لُبْسِ النِّساءِ، وإنَّما ذكَرَ اللَّهُ اللُّبسَ ولم يخصِّصْ رجالًا ولا نساءً؛ لأنَّ حِلْيةَ البحرِ ليستْ ذهبًا ولا فِضَّةً ولا حريرًا؛ وهي محرَّمةٌ على الرِّجالِ بلا خلافٍ؛ كما قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي) (١).
ويُستثنى مِن ذلك تحليةُ السيفِ؛ باعتبارِ أنَّها ليستْ ملبوسةً؛ بل مستعمَلةً وكلُّ ما يَستعملُهُ الرجُلُ مِن الذهبِ والفضةِ ولا يكونُ مبوسًا كالقلمِ والدَّوَاةِ والمِفْتاحِ، فالأصلُ فيه الحِلُّ، والأرجحُ حِلُّ استعمالِ الذهبِ والفضةِ مِن ذلك للرِّجالِ.
---------------
(١) أخرجه أحمد (١/ ١١٥)، وأبو داود (٤٠٥٧)، والنسائي (٥١٤٤) وابن ماجه (٣٥٩٥).

الصفحة 1673