كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)

قال ابنُ إسحاقَ: "سلَكَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - على نَخْلَةَ اليَمَانِيَةِ، ثمَّ على قَرْنٍ، ثمَّ على المُلَيْحِ، ثمَّ على بَحْرَةِ الرُّغَاءِ من لِيَّةَ، فابتنَى بها مسجدًا، فصلَّى فيه" (١)، وقال ابنُ إسحاقَ: "فحدَّثَني عمرُو بنُ شُعَيْبٍ؛ أنَّه أقادَ يومئذٍ ببَحْرَةِ الرُّغَاءِ حينَ نزَلَها بدمٍ، وهو أولُ دَمٍ أُقِيدَ به في الإسلامِ؛ رجلٌ مِن بني ليثٍ قتَلَ رجلًا مِن هُذَيْلٍ، فقتَلَه به" (٢).
وأخرَجَه الطبريُّ مِن هذا الطريقِ؛ وهو معضَلٌ.
وأخرَجَهُ الواقديُّ في "مَغازيهِ"، قال: "حدَّثني عبدُ اللهِ بنُ يَزِيدَ، عن سعيدِ بنِ عَمْرٍو؛ قال: حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى. . ."، فذكَرَه (٣).
ولأميرِ الجيشِ أنْ يسعَى في طلبِ العفوِ عن القاتلِ إذا خَشِيَ على القاتلِ الفِرَارَ واللَّحَاقَ بأهلِ الحربِ، ولا يجوزُ له إسقاطُهُ إنْ أبَوْا إلا القَوَدَ؛ لأنَّ في هذا إقرارًا للظُّلْمِ، وجَلْبًا للفِتْنةِ بينَ الناسِ، ودفعًا للمظلومِ أنْ ينتصِرَ لنفسِهِ؛ فتكونُ فتنةٌ عامَّةٌ بدلًا مِن فتنةٍ خاصَّةٍ.
الثاني: في الحدودِ التي لا حَقَّ لأحدٍ فيها، وهي مِن حقِّ اللهِ تعالى؛ كحدِّ شربِ الخمرِ والزِّنَى ونحوِهما؛ فهذه بحسَبِ الحالِ التي تترتَّبُ على فاعلِها، ويغلِبُ على ظنِّ أميرِ الجيشِ وأهلِ الحَلِّ والعَقْدِ مِن أهلِ مشورتِهِ حدوثُهُ منه؛ فإن كان يُخشى منه الفرارُ مِن المسلِمِينَ، واللَّحاقُ بأهلِ الحربِ، أو رجوعُهُ عن القتالِ، ورجوعُهُ يؤثِّرُ على عزيمةِ الناسِ وقُوَّتِهم - فالأَوْلى عدمُ إقامةِ الحدِّ عليه، وإرجاءُ ذلك إلى عودتِهم إنْ أمكَنَهُمْ ذلك قبلَ أنْ تصلُحَ حالُه؛ لأنَّ تأخيرَ الحدِّ لمصلحةِ الإسلامِ أَوْلى مِن تأخيرِ الحدِّ على الحاملِ والمُرضِعِ، لمصلحتِهِما أو مصلحةِ
---------------
(١) أخرجه ابن هشام في "السيرة" (٢/ ٤٨٢).
(٢) المصدر السابق، و"تاريخ الطبري" (٣/ ٨٣).
(٣) "مغازي الواقدي" (٣/ ٩٢٤).

الصفحة 176