كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

وفي قولِهِ تعالى: {وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} أنَّ اللَّهَ أنزَلَ القرآنَ لإِقامةِ الدِّينِ وإصلاحِ الدُّنيا، ولا يُلتمَسُ عدلٌ كعَدْلِه، وتُصِيبُ العقولُ التي خلَقَها اللَّهُ كثيرًا مِن الحقِّ بفِطْرتِها، ولكنْ لا تُصيبُ الحقَّ كاملًا إلَّا بالقرآنِ.
* * *

* قال اللَّهُ تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} [الشورى: ٢٣].
دعا اللَّهُ المُصلِحِينَ إِلَى التجرُّدِ والإعراضِ عن دُنْيا الناسِ؛ حتى لا يظُنُّوا بهم سُوءًا؛ كطمعٍ في الدُّنيا والجاهِ؛ وذلك أنَّ أولَ ظنِّ الظالمينَ بالمُصْلِحِين حينَما يُنكِرُونَ عليهم ضلالَهُمْ: أَنَّهم يُرِيدونَ مُزَاحَمَتَهم على سُلْطَانِهم وجَاهِهِم؛ لأنَّ نفوسَهم تتشَرَّبُ مِن اتباعِ ذلك، فيَخافُ الإنسانُ على أنفَسِ شيءٍ عليه؛ لذا يَخافونَ المزاحَمةَ، فيَشُكُّونَ فِي المُصلِحِينَ، وهكذا ظَنُّوا بالنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بمكةَ، فعرَضُوا عليه المالَ والنِّساءَ، وفي "المسنَدِ" عن عبدِ الرحمنِ بن شِبْلٍ؛ أَنَّه قال: سمعتُ رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقولُ: (تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ، فَإِذَا عَلِمْتُمُوهُ، فَلَا تَغْلُوَا فِيهِ، وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ، وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ، وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ) (١).
وقد تقدَّم الكلامُ على الحِكْمةِ مِن نهي الأنبياءِ وأَتْباعِهم عن ذلك، عندَ قَولِهِ تعالى: {وَيَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [هود: ٢٩].
---------------
(١) أخرجه أحمد (٣/ ٤٤٤).

الصفحة 2028