كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

سورة الأحقاف
سورةُ الأَحْقَافِ مكيَّةٌ؛ وبهذا قال ابنُ عبَّاسٍ والحَسَنُ وعِكْرِمةُ، وإنَّما الخلافُ في آياتٍ يسيرةٍ (١).
ويَظهَرُ في الأحقافِ الدعوةُ إلى التوحيدِ، واتفاقُ دعوةِ الرُّسُلِ عليه وعلى التحذيرِ مِن الشِّرْكِ، وبيانُ خطرِ عاقبةِ المشرِكِينَ وحَسْرَتِهم، وفي السُّورةِ: الدعوةُ إلى بعضِ أصولِ الفِطْرةِ العامَّةِ كالبِرِّ والإحسانِ، وفيها ذِكْرٌ لآياتِ اللَّهِ الكونيَّةِ وتفرُّدِهِ بالخَلْقِ واستحقاقِهِ لذلك للعبادةِ وَحْدَه.
* * *

* قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥)} [الأحقاف: ١٥].
وقد أمَرَ اللَّهُ بالإحسانِ إلى الوالدَيْنِ في آياتٍ كثيرةٍ، بل قد قرَنَ اللَّهُ بِرَّ الوالدَيْنِ بتوحيدِه وعِبَادتِهِ؛ لِعَظَمَتِهِ؛ كما قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)} [العنكبوت: ٨]، وقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: ٢٣]، وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا
---------------
(١) ينظر: "زاد المسير" (٤/ ١٠٢).

الصفحة 2037