كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

إليه امرأةٌ ولَدَتْ لستةِ أشهُرٍ، فهَمَّ برَجْمِها، فبلَغَ ذلك عليًّا، فقال: ليس عليها رَجْمٌ؛ قال اللَّهُ تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: ٢٣٣]، وستةُ أشهُرٍ؛ فذلك ثلاثونَ شهرًا (١).
وقد أخرَجَ ابنُ جريرٍ، عن بَعْجَةَ بنِ زيدِ الجُهَنيِّ؛ أنَّ امرأةً منهم دخَلَت على زَوْجِها، وهو رجلٌ منهم أيضًا، فولَدَتْ له في ستةِ أشهرٍ؛ فذُكِرَ ذلك لعثمانَ بنِ عَفَّان، فأمَرَ بها أنْ تُرْجَمَ، فدخَلَ عليه عليٌّ بن أبي طالبٍ، فقال: إنَّ اللَّهَ يقولُ في كتابِه: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}، وقال: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: ١٤]، قال: فوَاللَّهِ، ما عَبِدَ عثمانُ أنْ بعَثَ إليها تُرَدُّ (٢).
وقد أخرَجَهُ عبدُ الرزَّاقِ، عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهْريِّ، عن أبي عُبَيْدٍ مَولى عبد الرحمنِ بنِ عوفٍ، وذكَرَ أنَّ المُستدِلَّ إنَّما هو ابنُ عبَّاسٍ (٣).
وهو صحيحٌ، وقد ذكَره مالكٌ في "الموطَّأِ" بلاغًا (٤).
وربَّما كان ذلك في نوازلَ متعدِّدةٍ، وقد اختلَفَ العلماءُ في أقلِّ الحمل، والذي عليه الجمهورُ: أنَّ أقَلَّه ستةُ أشهُرٍ؛ وذلك لِمَا سبَقَ.
وقد يُوجَدُ مَن يُولَدُ لأقلَّ مِن ستةِ أشهْرٍ، لكنَّه لا يعيشُ غالبًا بعدَ ولادتِهِ إلَّا بمُنقِذٍ مِن الآلاتِ والأجهزةِ الحديثة، والنادرُ لا حُكمَ له في أبوابِ الإطلاق، وإلَّا لم يصحَّ إطلاقٌ ولا عمومٌ ولا قاعدةٌ، وليس في إثباتِ الولادةِ لأقلَّ مِن سِتٍّ ما يُشكِّكُ في الوحي؛ كما يَزعُمُ أهلُ الباطلِ؛ وذلك أنَّ القرآنَ لم يصرِّحْ بذلك؛ وإنَّما جَعَلَهُ تقريبًا، لا حدًّا
---------------
(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٤٢٨).
(٢) "تفسير الطبري" (٢٠/ ٦٥٧)، وفيه: "قَالَ ابن وَهْبٍ: عَبِدَ: اسْتَنْكَفَ".
(٣) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (١٣٤٤٦).
(٤) "موطأ مالك" (٣/ ٨٢٥).

الصفحة 2039