كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

فاصلًا لا يَستأخِرُ ولا يَستقدِمُ؛ لأنَّ حَوْلَي الرَّضَاعةِ يجوزُ قَصْرُهما في قولِهِ تعالى: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣]، وكان الرَّضَاعُ والحَمْلُ يَكْفِيهِ ثلاثونَ شهرًا، فلو وُلِدَ لتِسْعٍ، فَإن قُصِرَ الرَّضَاعُ ثلاثةَ أشهُرٍ، فذلك لا يؤثِّرُ على كمالِ الطفلِ، ولا حقِّه في الإرضاعِ على أبيهِ أو أمِّه ومُرْضِعتِه، وكأنَّه بيانٌ لحدِّ الكفايةِ؛ فما فاتَهُ مِن غذاءٍ في بطنِ أمِّه يَستدرِكهُ بإتمامِ الحولَيْن، وما أَتمَّهُ في بطنِ أمِّه يجوزُ قصرُهُ مِن الرَّضَاعِ عن الحولَيْن، وبذلك يتمُّ حقُّه بالطعام، وهو ثلاثونَ شهرًا؛ وهذا مُحْتمَلٌ.
ثمَّ إنَّ الحياةَ بغيرِ الرَّحِمِ، والسلامةَ مِن غيرِ تكييفٍ خارجٍ عن العادةِ - ليستْ مقصودًا في الآيةِ؛ فاللَّهُ ذكَر الحَمْلَ: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا}؛ يعني: على شِدَّةٍ وكُرْهٍ ومشقةٍ، فهي الحاملةُ لا غيرُها، وأمَّا الحملُ في غيرِ الرحمِ كما يكونُ في الطبِّ الحديث، فذلك غيرُ مقصودٍ في إحصاءِ المُدَّةِ في الآيةِ.
وقد اخْتُلِفَ في أكثرِ مدةِ الحملِ أيضًا:
وأكثرُهُ عندَ الجمهورِ: أربعُ سنواتٍ، وهو قولُ المالكيَّةِ والشافعيَّةِ والحنابلةِ.
وفي قولٍ لبعضِ الفقهاءِ مِن المالكيَّةِ: أنَّها خمسُ سنواتٍ.
ومذهبُ الحنفيَّةِ -وبه يقولُ بعضُ الحنابلةِ-: أنَّها سنتانِ.
ومنهم: مَن حَدَّ أعلاهُ بسَنَةٍ، كابنِ عبدِ الحكمِ وابنِ رُشْدٍ (١).
ومن العلماءِ: مَن لم يجعلْ للحملِ حَدًّا، لا في قليلِه ولا في كثيرِه؛ وله قال أبو عُبَيْدٍ (٢).
---------------
(١) "بداية المجتهد" (٢/ ٣٥٨).
(٢) "المغني" (١١/ ٢٣٣).

الصفحة 2040