كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

الصحيحُ عن ابنِ عبَّاسٍ، وجاء عن ابنِ عمرَ والشوري والأوزاعيِّ، وهو مذهب مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ، وهو قولٌ لأبي حنيفةَ حكاهُ عنه الطحاويُّ.
وقد رَوَى عليُّ بن أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ في قولِهِ تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: ٦٧]، قال: ذلك يومَ بَدْرٍ والمُسْلِمونَ يَوْمَئِذٍ قليلٌ، فلمَّا كَثُرُوا واشتَدَّ سُلْطَانُهم، أنزَلَ اللَّهُ تعالى بعدَ هذا في الأُسَارَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}، فجعَلَ اللَّهُ النبيَّ والمؤمنين في الأُسَارَى بالخِيَارِ: إنْ شاؤوا قَتَلُوهم، وإنْ شاؤوا استعبَدُوهم، وإن شاؤوا فادَوْهم (١).
وقد حكى الجصَّاصُ الاتفاقَ على جوازِ قتلِ الأسيرِ (٢)، والصوابُ: أنَّه المذهبُ الصحيحُ لعامَّتِهم.
وقد تقدَّم الكلامُ على مسألةِ فَكَاكِ أَسْرَى المُسلِمِينَ ومُفاداتِهم بأَسْرَى الكفار، وحُكْمِ فَكاكِ أَسْرَى المُسلِمِينَ بهم وبالمال، عندَ قولِهِ تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: ٢٧٣]، وقولِه تعالى: {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} [النساء: ٧٥].
وتقدَّم الكلامُ في التعامُلِ مع الأسيرِ وتعذيبِهِ عندَ قولِهِ تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ١٤].
* * *
---------------
(١) "تفسير الطبري" (١١/ ٢٧٢)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٧٣٢).
(٢) "أحكام القرآن" للجصاص (٥/ ٢٦٩).

الصفحة 2046