كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

وقد تقدَّم الكلامُ على صِلةِ الأرحامِ عندَ قولِه تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١].
* * *

* قال اللَّهُ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (٣٣)} [محمد: ٣٣].
أمَرَ اللَّه المؤمنينَ بحِفْظِ أعمالِهم الصالحةِ وحَسَنَاتِهم، وألَّا يَنقُضُوها بعملٍ سَيِّئٍ؛ سواءٌ كان كفرًا يُحبِطُ العملَ كلَّه، أو كان كبيرةً تُحبِطُ الحَسَنات، فإنَّه لا خلافَ عندَ السلفِ: أنَّ الحسناتِ تُذهِبُ السيِّئاتِ؛ وذلك لقولِهِ تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤]، ولِمَا تواتَرَ في السُّنَّةِ، وإنَّما خلافُ أهلِ السُّنَّةِ في إحباطِ السِّيئاتِ للحسناتِ؛ والدليلُ يعضُدُ ثبوتَ ذلك؛ وبه قال الحسنُ، والزُّهْريُّ (١)، وقتادةُ، وقد حمَلَ بعضُ السلفِ قولَه تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} على هذا النوع، كما صحَّ عن قتادةَ أنَّه قال في قولِهِ: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}: مَن استطاعَ منكم ألَّا يُبْطِلَ عملًا صالحًا عَمِلَهُ بعمل سيِّئٍ، فلْيَفْعَل، ولا قوةَ إلَّا باللَّهِ! فإنَّ الخيرَ يَنسَخُ الشرَّ، وإنَّ الشرَّ يَنسَخ الخيرَ، وإنَّ مِلاكَ الأعمالِ خواتيمُها (٢).
وقد تقدَّم الكلامُ على أنواعِ إحباطِ العملِ الصالحِ استطرادًا عندَ قولِه تعالى مِن سورةِ الكهفِ: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (١٨)} [١٨].
وتقدَّم الكلامُ على إحباطِ الرِّدَّةِ للعملِ الصالحِ عندَ قولِه تعالى:
---------------
(١) ينظر: "تفسير القرطبي" (١٩/ ٢٨٧).
(٢) "تفسير الطبري" (٢١/ ٢٢٦).

الصفحة 2048