كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

وقد قال ابنُ عبَّاسٍ في قولِه تعالى: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}: لا تقولوا خِلافَ الكتابِ والسُّنَّة (١).

تعظيمُ أقوالِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابِه:
ولا يجوزُ لأحدٍ إذا سَمِعَ حديثَ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يقدِّمَ عليه قولَ أحدٍ مِن الناسِ، وقولُه تعالى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٢)} نزَلَ في أبي بكرِ وعمرَ مع أنَّهما أفضلُ الأمَّةِ بعدَ نبيِّها، فجرَى عليهم التشديدُ مع مَقَامِهم وفَضلِهم؛ فكيف بغيرِهم؟ ! وقد ثبَتَ في البخاريِّ؛ مِن حديثِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ؛ قال: كَادَ الخَيِّرَانِ أَنْ يَهلِكَا: أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ -رضي اللَّه عنهما-؛ رَفَعَا أَصوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حِينَ قَدِمَ عَلَيهِ رَكْبُ بنِيِ تَمِيمٍ، فَأشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بن حَابِسٍ أخِي بنِي مُجَاشعٍ، وَأَشَارَ الآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ -قَالَ نافِعٌ: لَا أَحْفَظُ اسْمَهُ- فَقَالَ أَبُو بَكْر لِعُمَرَ: مَا أرَدتَّ إِلَّا خِلَافِي، قَالَ: مَا أرَدتُّ خِلَافَكَ، فَارْتَفَعَت أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الآيةَ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيرِ: فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ حَتَّى يَسْتَفهِمَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ؛ يَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- (٢).
ومِن تعظيمِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: تعظيمُ قولِ أصحابِه، خاصَّةً خلفاءَهُ؛ لأنَّهم أعلَمُ الناسِ بمُرادِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فأقوالُهم وأفعالُهم تخصِّصُ أقوالَهُ وتوجِّهُها؛ لأنَّهم يَعْلَمونَ منه ما لا يَعلَمُهُ غيرُهم، ولفضلِهم وديانتِهم لا يُمكِنُ أنْ يتعمَّدُوا عِصْيَانَه، ولا يجوزُ لأحدٍ أنْ يترُكَ قولَ الخُلَفاءِ الراشدينَ بحُجَّةِ
---------------
(١) "تفسير الطبري" (٢١/ ٣٣٥)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (١٠/ ٣٣٠٢).
(٢) أخرجه البخاري (٤٨٤٥)

الصفحة 2062