كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

سورة القمر
سورةُ القَمَرِ سورةٌ مكيَّةٌ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك (١)، وانشقاقُ القمرِ حدَثَ لمَّا كان النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بمكَّةَ، وفي هذه السُّورةِ ذِكرٌ لآياتِ اللَّهِ ومعجزاتِه، وترهيبٌ للمُعانِدينَ، وتذكيرٌ لهم بعاقبتِهم، وتحذيرٌ مِن كُفْرِهم وشِرْكِهم، وذِكْرٌ لطريقةِ أمثالِهم السابقينَ ونهايتِهم.
* * *

* قال اللَّهُ تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} [القمر: ٢٨].
بعَث اللَّهُ الناقةَ آيةً لثمودَ قومِ صالحٍ، وأمَرَهم ألَّا يمَسُّوها بسُوءٍ، وجعَل لها مَوْرِدًا إلى الماءِ في يومٍ غيرَ مَوردِهم، وجعَل اللَّهُ لكلٍّ مَشْرَبَه؛ حتى لا يَتنازَعُوا فيُسوَّلَ لهم الشيطانُ عدوانًا عليها لمُزاحَمَتِها لهم وعدمِ كفايتِهم؛ ليقطَعَ عنهم العُذْرَ، وتقومَ عليهم الحُجَّةُ.
وفي هذه الآيةِ: أنَّ العدلَ في قِسْمةِ المالِ ومنافعِ الأرضِ مُوجِبٌ لدفعِ النِّزاعِ والخلافِ بينَ الناسِ، إلَّا لِمَنْ ظهَرَ بغيُهُ وعنادُه، وقد تقدَّم الكلامُ على ذلك في مواضعَ، عندَ قولِه تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ
---------------
(١) ينظر: "تفسير ابن عطية" (٥/ ٢١١)، و"زاد المسير" (١٩٦/ ٤)، و"تفسير القرطبي" (٢٠/ ٧١)، و"بصائر ذوي التمييز" (١/ ٤٤٥).

الصفحة 2097