كتاب التفسير والبيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)

ومذهَبُ أحمدَ في تفسيرِه لأحكامِ القرآنِ وغيرِها ظاهِرٌ في سؤالاتِه، ونُقولِ أصحابِه عنه، كاستدلالِه بدليلِ الخِطَابِ في قولِه تعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: ٣١]؛ فنَقَلَ ابنُ هانِئٍ عنه أنَّه أَخَذَ مِن هذه الآيةِ أنَّ المُسْلِمَةَ لا تكشِفُ رأسَها عندَ نِساءِ أهلِ الذِّمَّةِ (١)، ومِثلُه: تحريمُه ذَبِيحةَ المَجُوسِيِّ وصيدَه؛ لقولِه تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: ٥]؛ لكَوْنِ المَجُوسِ ليسوا أهلَ الكِتَاب (٢)، وأنَّ الغُرَابَ والسَّبُعَ يَقْتُلُه المُحْرِمُ ولا كَفَّارَةَ عليه لقولِه - عز وجل -: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥]، وهذه لا تُسَمَّى صَيْدًا (٣).
ومذهَبُه: الوُقوفُ على العُمومِ المُستَغْرِقِ للجِنسِ في القُرآن وَالبَحْثُ عن مُخَصِّصٍ له، كما تَوَقَّفَ في عمومِ اليَدِ والوَلَدِ في قولِهِ تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨]، وقولِهِ تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: ١١]، فقد نَقَلَ ابنُه عبدُ اللهِ - ونحوَه صالِحٌ - قولَه: ". . . نَقِفُ عندَ الوَلَدِ حَتَّى يُنزِلَ اللهُ تعالى ألَّا يَرِثَ قاتِلٌ ولا عَبْدٌ ولا مُشْرِكٌ، فلَمَّا عبَّرَتِ السُّنَّةُ معنَى الكتابِ فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: (لَا يَرِثُ مُسْلِمٌ كَافِرًا، وَلَا كَافِرٌ مُسْلِمًا) (٤)، وقال: (لَا يَرِثُ القَاتِلُ) (٥) -: لم يُعْلَمِ الناسُ اختلَفُوا في أنَّ العبدَ لا يَرِثُ، وإنَّما قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
---------------
(١) "مسائل أحمد، رواية ابن هانئ" (٢/ ١٤٩).
(٢) "أحكام أهل الملل والردة من الجامع لمسائل الإمام أحمد" (ص ٣٧٧)، و"العدة في أصول الفقه" (٢/ ٤٥٠ - ٤٥١).
(٣) "مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه عبد الله" (ص ٢٠٦).
(٤) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (٢/ ٢٦٢)؛ من حديثِ أسامةَ بن زيدٍ - رضي الله عنهما -؛ وصحَّحَه.
(٥) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (١٢٠٢٠)؛ عن عمرِو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه.

الصفحة 21